العالم

كيف استفادت الأسواق من تمديد قانون ترامب الضريبي وما أبرز القطاعات الرابحة؟

مثّل هذا القانون عندما أُطلق للمرة الأولى في كانون الأول /ديسمبر 2017، تحوّلا جذريا في السياسة الضريبية الأميركية، إذ خفّض الضرائب المفروضة على الشركات من 35% إلى 21%.

ومدّد العمل بـ”قانون ترامب الضريبي ” بعد أن أقرّه مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الماضي, بهدف تعزيز التنافسية الاقتصادية وتجديد الحوافز المالية الممنوحة للشركات والأفراد منذ عام 2017. وتضمّن التمديد أيضاً بعض التوسعات الإضافية في الحسومات الضريبية، وتحفيزات للدفاع الوطني والمسنّين، ما أعاد تسليط الضوء على هذا القانون المثير للجدل والذي يُعدّ أضخم تعديل ضريبي في الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة عقود.

فعلى صعيد الشركات، خفّض معدل ضريبة الدخل الفيدرالية إلى 21%، ما اعتُبر حافزاً كبيراً للشركات الأميركية والدولية العاملة في السوق الأميركية لتعزيز أرباحها وزيادة استثماراتها محلياً. كما أتاح للشركات خصم 100% من النفقات الرأسمالية خلال السنة الأولى، إلى جانب تسهيلات ضريبية للشركات الصغيرة والمتوسطة.

أما على صعيد الأفراد، فقد خفّض القانون الضرائب الهامشية على معظم شرائح الدخل، ورفع حدود الإعفاءات الضريبية، لكن معظم هذه الخفوضات كانت موقتة وتنتهي في عام 2025، ما دفع إلى إعادة تمديدها هذا العام لتفادي صدمة ضريبية على الأسر الأميركية. 

القطاعات الأكثر استفادة من القانون

1- القطاع المالي والمصرفي: يُعدّ القطاع المالي من أبرز المستفيدين من قانون ترامب الضريبي، بفضل الخفض الكبير في معدل ضريبة الشركات من 35% إلى 21%. هذا الخفض أدّى إلى ارتفاع مباشر في صافي أرباح البنوك وشركات التأمين، بخاصةً تلك التي تحقق أرباحاً كبيرة داخل الولايات المتحدة.

إضافةً إلى ذلك، أزال القانون العديد من القيود التنظيمية التي فُرضت بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، مثل أجزاء من قانون “دود-فرانك”، ما منح البنوك مزيداً من الحرية في الإقراض والاستثمار. وقد استفادت البنوك الاستثمارية الكبرى مثل “جي بي مورغان” و”غولدمان ساكس” من بيئة ضريبية وتنظيمية أكثر مرونة، الأمر الذي زاد من ربحيتها وعزز أسهمها في أسواق المال.

2-الشركات المتعددة الجنسية: شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة مثل “آبل” و”مايكروسوفت” و”غوغل” و”أمازون” كانت بين أكبر المستفيدين من بنود القانون المتعلقة بإعادة الأرباح من الخارج.

قبل القانون، كانت هذه الشركات تحتفظ بمليارات الدولارات من الأرباح في فروعها الدولية لتجنّب الضرائب الأميركية المرتفعة. ولكن بعد أن أتاح القانون إعادة هذه الأرباح إلى الداخل الأميركي بمعدل ضريبي تفضيلي لمرة واحدة، قامت الشركات بإعادة مئات المليارات، ما مكّنها من تعزيز توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم، وبالتالي دعم أسعار أسهمها.

3- القطاعات الرأسمالية: الصناعة، الطاقة، والنقل: استفادت القطاعات ذات الطابع الرأسمالي المرتفع، مثل الصناعة الثقيلة، الطاقة، والنقل بشكل واضح من قانون ترامب الضريبي، بفضل الحوافز المالية المباشرة التي قدّمها عبر آلية “الاستهلاك المعجل”، والتي تتيح خصم 100% من الإنفاق الرأسمالي خلال السنة الأولى. هذا البند وحده شكّل دفعة قوية للشركات في هذه القطاعات لتحديث معداتها وتوسيع بنيتها التحتية من دون تحمل أعباء ضريبية مؤجلة.

في القطاع الصناعي، استفادت الشركات من البيئة الضريبية الجديدة لتوسيع مصانعها وزيادة الاستثمار في المعدات والتقنيات الحديثة، ما عزّز قدرتها التنافسية داخل السوق الأميركية. 

وفي السياق ذاته، استفاد قطاع الطيران بشكل ملحوظ، كونه أحد أكثر القطاعات اعتماداً على الإنفاق الرأسمالي. فقد شكّل بند الاستهلاك المعجل حافزاً كبيراً لشركات الطيران مثل DeltaوUnited Airlines لتحديث أساطيلها وتحسين تجربة السفر. كما استفادت شركات النقل والشحن من الخفوضات الضريبية لتعزيز استثماراتها في مراكز التوزيع وتطوير التكنولوجيا اللوجستية، وهو ما مكّنها من مواكبة النمو المتسارع في التجارة الإلكترونية بعد جائحة كورونا. بهذا الشكل، أثبتت القطاعات الرأسمالية أنها الأقدر على ترجمة المزايا الضريبية إلى توسع حقيقي ونمو ملموس في الأعمال.

كيف تفاعلت الأسواق؟

تفاعلت الأسواق المالية الأميركية مع القرار بشكل إيجابي، وبخاصة المستثمرين الذين رأوا في هذا التمديد استمراراً للبيئة الضريبية المواتية التي دعمت أرباح الشركات منذ عام 2017.  

لكن رغم هذا التفاؤل، كان ردّ الفعل هذه المرة مشوباً بالحذر مقارنة بما حدث في نهاية عام 2017. أحد أبرز العوامل التي كبحت جماح المكاسب هو القلق المتزايد بشأن وضع المالية العامة للولايات المتحدة. ومع تقديرات تفيد بأن التمديد سيضيف ما يراوح بين 2.5 و3 تريليونات دولار إلى الدين العام خلال العقد المقبل، ارتفعت عوائد السندات الأميركية بشكل ملحوظ نتيجة مخاوف المستثمرين من ارتفاع مستويات الاقتراض الحكومي وتزايد عرض أدوات الدين في السوق. هذا الارتفاع في العوائد فرض ضغوطاً على أسهم الشركات ذات النمو المرتفع، لا سيما منها التي تعتمد على التوسع الممول من الديون، مثل شركات التكنولوجيا الناشئة.

في الوقت نفسه، لم يكن التأثير موحداً عبر مختلف القطاعات. فبينما استمرت أسهم قطاعات مثل الدفاع، المصارف، والتكنولوجيا في تسجيل مكاسب، لأنها حصلت على مزايا إضافية أو احتفظت بالخفوضات الضريبية السابقة، واجهت قطاعات أخرى مثل التعليم والرعاية الصحية ضغوطاً واضحة. ويُعزى ذلك إلى غياب أي دعم مباشر أو إعفاءات ضريبية لهذه القطاعات ضمن الحزمة الموسعة، إضافة إلى قلق المستثمرين من إمكان تعرّض بعض برامج الدعم الاجتماعي لتقليص مستقبلي من أجل تعويض الأكلاف المرتفعة للتمديد.

تفاؤل حذر..

في ظل الزخم الإيجابي الذي شهدته السوق بعد تمديد قانون ترامب الضريبي عام 2025، لا يمكن تجاهل التحذيرات المتزايدة من أخطار مستقبلية قد تُلقي بثقلها على الاقتصاد الأميركي خلال السنوات المقبلة.

Spread the love