هل يمهّد “عطر ترامب للشرع” للتطبيع مع إسرائيل؟
بقلم سمير الحاج..
في خضم التحوّلات المتسارعة التي تعصف بالمنطقة يطلّ دونالد ترامب مجددًا بخطاب سياسي يزداد التصاقًا بالرؤية الإسرائيلية حتى بات يُنظر إليه كمن يفتح الطريق أمام موجة جديدة من التطبيع تُراد لها أن تمرّ تحت شعارات “السلام الإبراهيمي” أو “الاستقرار الإقليمي”. غير أن ما يثير القلق اليوم ليس فقط انحياز ترامب العلني بل محاولته إضفاء طابع شرعي على سياسات إسرائيل وكأن ما يسمى بـ”عطر ترامب للشرع” بات أداة سياسية تُستخدم لتغيير المزاج العام وتمهيد الطريق لمرحلة يتراجع فيها الرفض العربي التاريخي للكيان المحتل.
فالسياسة الأميركية منذ عودة ترامب إلى الواجهة تتصرف كما لو أن المنطقة مُهيّأة لتقبل إسرائيل كأمر واقع متجاهلة حقيقة أن جذور الصراع ليست شعارات إعلامية بل حقوق مسلوبة واحتلال واستيطان ودماء شعب يتم الالتفاف على قضيته كل يوم. وما يزيد الطين بلّة أن بعض القوى الإقليمية تجد نفسها أمام ضغوط قاسية لإعادة تموضع سياسي تحت عنوان “سلام مقابل استثمارات” أو “أمن مقابل تنازلات” وهي معادلات أثبتت التجارب فشلها لأنها ببساطة تتجاهل أصل المشكلة: غياب العدالة.
وهنا نتساءل أيضًا مع المهرولين نحو التطبيع في لبنان: هل تخلّت إسرائيل فعلًا عن أحلامها القديمة بإقامة “إسرائيل الكبرى”؟ وهل تنازلت عن أطماعها في الجنوب والبقاع وهي التي لم تتوقف يومًا عن خرق السيادة اللبنانية واستباحة أراضيه وسمائه؟ إن التطبيع ليس سوى مكافأة مجانية لمشروعٍ توسعي لم يتغيّر، وخيانة لدماء الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن الأرض والكرامة. فكيف يمكن لأي لبناني أن يقبل بتجميل وجه احتلالٍ لا يزال يشكّل تهديدًا مستمرًا للبلاد؟
إن أخطر ما في خطاب ترامب هو محاولته تصوير التطبيع كخيار “واقعي” لا مفرّ منه وكأن الشعوب مجرّد تفاصيل هامشية يمكن تجاوزها أو كأن القضية الفلسطينية لم تعد معيارًا أخلاقيًا وسياسيًا في المنطقة. لكن الحقيقة التي يدركها الجميع هي أن أي تطبيع لا يستند إلى حل عادل وشامل وإلى اعتراف كامل بحقوق الشعب الفلسطيني لن يكون إلا صفقة مؤقتة محكومة بالسقوط.
إن ما تحتاجه المنطقة ليس “عطرًا سياسيًا” يخفي رائحة الاحتلال بل خطوة واضحة تعيد الاعتبار للحق الفلسطيني وتفرض على إسرائيل ما تهرب منه منذ عقود: الالتزام بالقانون الدولي وقف الاستيطان والقبول بدولة فلسطينية كاملة السيادة. من دون ذلك سيبقى كل تطبيع هشًا وكل تسويق سياسي مآله الفشل مهما كان مصدره.
ختامًا إن “عطر ترامب للشرع” لا يصنع شرعية ولا يغيّر حقائق التاريخ والجغرافيا. المنطقة لا تحتاج إلى تلميع صورة الاحتلال بل إلى إرادة دولية تُنهي الاحتلال. وكل ما عدا ذلك يبقى مجرد ضجيج سياسي سيختفي عند أول اختبار حقيقي على الأرض.
