محمد الحسيني لـ «الشرق: الإحصاء الدقيق للخسائر الزراعية الفادحة في الجنوب غير ممكن حالياً… والمزارع الذي ترك رزقه وأرضه من يعوّض عليه؟

كتبت ريتا شمعون

في الحرب الدائرة اليوم في الجنوب، ينتهج الإسرائيلي سياسة التدمير، فلم يستثنِ المنازل والمدارس والكنائس من استهدافاته المباشرة، وطال في جوانب عديدة، قطاعات إقتصادية مختلفة، في مقدمها القطاع الزراعي.

وفي تفاصيل موازنة العام 2024 والنقاشات الأخيرة في مجلس النواب ليس فيها ليرة واحدة من كلفة الحرب المدمرة في الجنوب أو ليرة واحدة للتعويض على المزارعين. فعلى الرغم من غياب أي أرقام دقيقة حول الخسائر التي طالت القطاع الزراعي في جنوب لبنان، جراء الأعمال العسكرية المستمرة، لكنها تزيد من معاناة المزارعين الذين لا يملكون أي مصدر آخر للرزق. خسائر فادحة لمزارعي جنوب لبنان، إنما المشكلة الأكبر، التي تواجه المزارع اللبناني هي استهداف اسرائيل الزرع بالقنابل الفوسفورية المحرّمة دوليا، فالتقديرات الأولية تفيد أن هناك آلاف الهكتارات أحرقت بالكامل نتيجة القصف، والأضرار لا تقل عن 50 ألف شجرة زيتون منها معمر لمدد تصل الى 250 و300 سنة. مربو النحل في الجنوب لهم حصتهم أيضا من هذه الإعتداءات الإسرائيلية، حيث حرموا من الوصول الى مناحلهم ورعايتها، ما يهدد معيشة مئات العائلات التي تعتمد كليا على إنتاج العسل. لم تقف الخسائر عند هذا الحدّ، اذ يعيش الآلاف من سكان المناطق الحدودية من القطاع الزراعي ومن أهم المنتجات الزراعية التبغ، الزيتون والحمضيات والموز على طول الساحل، بالإضافة الى الزراعات البعلية الصيفية في الجنوب والتي كانت عادة تزرع في الربيع وتثمر في أوائل الصيف والتي لطالما شكلت عصب الحياة، والمقصود بالزراعات البعليةالخضار مثل البندورة والخيار والبامية واللوبية والشمام وغيرها من المنتجات التي كانت العائلات تعتمدها فضلا عن تربية الماشية وتربية النحل، وقد تأثر عدد كبير منهم بما يجري. يقول نقيب مزارعي الجنوب محمد الحسيني في حديث لجريدة «الشرق»: على وقع التصعيد الإسرائيلي، على تلك الحدود البالغ طولها نحو 100 كم، حرم بعض المزارعين والسكان من الوصول الى البساتين، وحلّ موسم قطاف الزيتون، وهو أحد المواسم الرئيسية في مناطق عدة في جنوب لبنان وينتظره السكان من عام لآخر، وفاقم التوتر الأمني الوضع سوءا. مضيفا: القصف الاسرائيلي لم تسلم منه أشجار الزيتون بعدما أدّى الى اندلاع حرائق أتت على أكثر من 40 ألف شجرة احترقت بالكامل، ويوضح الحسيني، أن المزارع الجنوبي الذي ينتظر الموسم من عام لعام حتى يبيع منتجاته من الحبوب والحمضيات وغيرها من المنتجات ترك رزقه وأرضه، الأمر صعب، كونه من أبرز مصادر الدخل في تلك المنطقة. أضاف الحسيني، الخسارة الأكبر التي تلحق بأهالي معظم البلدات الحدودية هي التي تلحق بزراعة التبغ، التي يعتاش منها الآلاف، مشيرا الى انقضاء موعد تشتيل التبغ والمزارعون بعيدون عن أراضيهم، الأمر الذي انعكس ضررا اقتصاديا عليهم، بالتالي نقصا في انتاج إدارة حصر التبغ والتنباك الريجي، وتحدث في هذا الإطار عن مبادرات عدّة لمساعدة مزارعي التبغ، جاءت الأولى من بلدة رميش الحدودية، فبعدما تمكن أهالي رميش البعيدة نسبيا من الحدود من جمع محصول هذا العام من التبغ، أبدى تجمع مزارعي التبغ من أبناء بلدة رميش الذين يربطهم حب الإنتماء والتضامن مع الجنوبيين استعدادهم لدعم المزارعين الذين تركوا مشاتلهم وخسروا الموسم قبيل عملية زراعة البذور التي تبدأ أوائل شهر شباط، باعطاء الفائض لديهم من الشتول لمن يحتاج اليها من البلدات المجاورة، تلتها مبادرة الريجي الإنقاذية، إذ تتولى بنفسها عملية التشتيل في مناطق آمنة، لتقديمها بعد نحو شهرين لمزارعي المناطق الحدودية الذين لا يستطيعون التشتيل في الوقت الراهن. فضلا عن التواصل الدائم ما بين وزارة الزراعة ومزارعي المناطق الساحلية والوسطى والقرى خصوصا التي تعرضت لأضرار كبيرة جراء الإعتداءات الاسرائيلية، مشيرا الى أن التقييم الأولي لمسح بعض الأراضي المحروقة ووفق نقابة مزارعي الجنوب من الفترة الممتدة ما بين 8 تشرين الأول حتى اليوم بينت أنه تضرر حوالى 500 الف شجرة التي تشمل حوالى 50 ألف شجرة زيتون معمرة وأشجار مثمرة وحرجية. وأضاف: ان أولى نتائج انحسار الزراعة الجنوبية إنخفاض أسعار المنتوجات، وقد ظهر هذا جليا مع بداية العام الجديد، بالتالي خسارة كبيرة لفئة كبيرة من المزارعين، فالمحاصيل من بقوليات وخضار منوعة وموز وحمضيات التي كانت تطرح في الأسواق فتنعش اقتصاد القرى قضت عليها الحرب إذ لا تكفي خسارة المواسم بل أضيف اليه نكسة التصدير، ويشرح أن تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجنوبي أثر على تقلص الأعمال ما أدّى تركيز الجنوبيين فقط على شراء الحاجيات الأساسية، ما يعني أن الحجم الإقتصادي تباطىء حوالى 70% في هذه المرحلة. وأشار الحسيني، الى أن آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية والحرجية احترقت نتيجة القصف الإسرائيلي، بالقنابل الفوسفورية المحرّمة دوليا التي استخدمها العدوان الإسرائيلي في المناطق ذات الكثافة الحرجية لتصبح المنطقة مكشوفة، وبالتالي سهولة رصد تحركات المقاومة، مؤكدا ان هذه جريمة بحق لبنان وهي برسم الضمير العالمي، مشيرا الى ان هناك تحرك رسمي لمقاضاة اسرائيل بتقديم شكوى الى مجلس الأمن الدولي تدين استخدام اسرائيل للفوسفور الأبيض في اعتداءاتها المتكررة موضحا: أن القنابل الفوسفورية المستخدمة تحتوي اضافة الى الفوسفور الأبيض على معادن ثقيلة يؤدي ترسبها في الأرض الى تغيرات في نوعية التربة وتتسبب بتسميمها وتلوثها، يشتعل الفوسفور الأبيض لدى تعرضه للهواء للأكسجين وينتج عن هذا التفاعل الكيميائي حرارة شديدة، لكن يلفت الحسيني، الى أن درجات الحرارة المنخفضة كما هو الحال في الشتاء الحالي، فإمكانها أن تجعل الفوسفور غير فاعل، هذا يعتمد على كمية الأمطار أي أنه اذا كانت كمية المياه كبيرة جدا في الطبيعة وجرفت الفوسفور الأبيض تخفف الكثير من تأثيراته وتمنع تفاعله بينما اذا كانت كمية المتساقطات قليلة فإنها قد تؤدي الى تسهيل التفاعل الكيميائي. وتخوف الحسيني من ان تتعرض مصادر المياه لمخاطر كبيرة جراء استخدام اسرائيل قذائف الفوسفور الحارقة، مضيفا: من الممكن أن نسمع أن خضروات وفاكهة الجنوب ملوثة، مؤكدا ان هذا الإحتمال اذا حصل هو نوع من التجنّي على المزارع الذي يعمل بظروف صعبة وبإمكانيات محدودة. ويشير الى ان جميع الاحصائيات والارقام التي وزعتها الوزارات أو المنظمات هي تقريبية، وأن الإحصاء الدقيق غير ممكن حاليا بسبب تواصل القصف الإسرائيلي، بالتالي عملية المسح تتم عن بعد، فنحن مهددون في أرواحنا، وفي أرواح العاملين في الزراعة على الأرض بالجنوب اللبناني.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *