الخطيب:المقاومة تقوم بأشرف عمل إنساني وإيماني اليوم في الدفاع عن القيم الانسانية والايمانية

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:

“قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً  وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). فما هو الصلاح؟ الصلاح في مقابل الفساد، وفساد الشيء انعدام قابليته للانتفاع به، إن صلاح كل شيء بحسبه، فصلاح الشيء هو قابليته للانتفاع به فيما صنع له، وصلاح الانسان صلاحيته للفعل سلباً أو إيجاباً بمعنى الخلو من العيب المُعطِّل له عن أداء الوظيفة بغض النظر عن قيامه بها وعدمه.

وفي الاصطلاح قيامه بالوظيفة التي خُلِقَ من أجلها في الاعمّ الاغلب فيقال هذا صالح، وعنوان الصلاح لا يَصْدُق الا مع تكرار الفعل النافع لنفسه وللآخرين وبحيث يُشكِّل الاغلبية من أفعاله نوعاً لا عدداً، فقد يكون الكثرة من أفعاله حسنة ولكنه قد يأتي بفعل واحد يعتبر في نظر العرف عاراً تزول معه صفة الصلاح عنده فيعتبره فاسداً ويُسقِطُه  الى الابد من صلاحية القيام بالوظيفة العامة حتى مع الرجوع والتوبة كما في المرتكب للفساد المالي رشوةً أو ابتزازاً أو ما شاكل من أنواع الفساد الخطيرة التي لا يتساهل فيها العرف العام في العادة.

 واشتراط الصلاح بهذا المعنى لتولي بعض المناصب العامة والخطيرة انما يعود في الواقع الى هذا الفهم العرفي، وفي الشرع اشترطت العدالة في القيام ببعض الوظائف كما في قيادة الدولة أي الإمام في الاصطلاح وفي منصب القضاء وفي من يؤدِّي الشهادة في الدعاوى وحتى في إمامة الجماعة، فمن لم تتوفر فيه العدالة لا يجوز توليته  ولو تولى غير ظاهر الفسق شيئاً مما يُشتَرَط فيه العدالة  لم يجز له القبول ولو وُلِّيَ وقبل كان آثماً ووجب عليه التوبة لأن المتولي لهذه المناصب يُعتبر محل اقتداء وموقع إصلاح وإحقاق للحقّ فمن انتفت فيه صفة الصلاح  كان أعجز عن إعطائه.

فالصلاح في الاصطلاح يساوق العدالة وعدم ارتكاب المآثم والمعاصي مما فيه التعرّض للغضب الالهي ولا يكفي فيه الصلاح الظاهري، هذا في تكليفه الشخصي أما الصلاح بمعناه العرفي أي الظاهري فهو تكليف الآخرين وليس عليهم معرفة الواقع والاطلاع عليه إلا في الإمامة الدينية التي هي أصلاً منصب إلهي لأشخاص بعينهم معصومون عن النسيان والخطأ فضلاً عن ارتكاب المعصية، منصوص عليهم كالأنبياء والرسل والاوصياء كالأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم) لأنهم الموكل إليهم تبليغ الرسالة وتفسيرها وتطبيقها وحفظها من التأويل الباطل والتشويه، ولذا كانت السنة قولهم وفعلهم وتقريرهم الذي هو إقرار لما يصدر من المؤمنين من أفعال الذي يدل على مشروعيته بالمعنى العام بغض النظر عن كونه واجباً أو مستحباً أو مباحاً التي يحتاج صرفها اليه إلى قرينة أو دليل.

فالصلاح بمعناه الواقعي وتعريفه العام واحد وهو قيام المرء بالوظيفة التي خُلِقَ من أجلها وهي بالمفهوم الديني العام والإسلامي الخاص إعمار الأرض ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ – هود، آية 61. فالوظيفة التي خُلِقَ الإنسان لتأديتها والقيام بها هي إعمار الأرض والصلاح هو القيام بهذه الوظيفة وكل ما يتنافى معها يفسدها، ولكنّ الله سبحانه أخبرنا أن لهذا البنيان وهو إعمار الارض أساس ما لم يقم عليه لا يستقيم وهو الإيمان بالله واليوم الآخر. 

﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ﴾ الكهف: 45.

والاساس الذي إن بُنِيَ عليه العمل الصالح لكي يثبت ويبقى ولا يكون هشيماً تذروه الرياح هو الإيمان وهو ما حكت عنه الآية المباركة التي افتتحنا بها هذه الكلمة وهو قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) – النحل (97)”.

واكد ان “العمل الصالح المبني على الايمان يعطي النتيجة المطلوبة فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، فمن عمل صالحاً وهو مؤمن اي في حالة الإيمان ومسبوقاً به نُعطيه الحياة الطيبة، فالحياة الطيبة متوقّفة على العمل الصالح المؤسّس على الإيمان، وهذا يعني أن العمل قد يكون صالحاً ولكن إن لم يكن الإيمان اساساً له لا يُتَوَقع منه حياة طيبة كما لو كانت مواد البناء صالحة وأقيم وفق الأسس الهندسية الصحيحة فهو سيتداعى ولن يَثْبُت إن افتقر إلى الأساس وهو هنا الايمان.

قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) {الفرقان/23}، أما الحياة الطيبة فهل هي الحياة الدنيا أو الآخرة؟ فإن كان المقصود الحياة الدنيا فكيف يستقيم هذا مع انواع البلاء التي يعيشها المؤمن فيها.

ورد في تفسير الحياة الطيبة أقوال وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً بالقناعة، وذلك أن من قنعه الله بما قسم له من رزق لم يكثر للدنيا تعبه، ولم يعظم فيها نَصَبه ولم يتكدّر فيها عيشه باتباعه بغية ما فاته منها وحرصه على ما لعله لا يدركه فيها.

قال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان: ” إنّ المؤمن يرى الأشياء على ما هي عليها فيقسمها قسمين حق باق وباطل فان فيعرض بقلبه عن الباطل الفاني الذي هو الحياة الدنيا بزخارفها الغارة الفتانة ويعتز بعزة الله فلا يستذله الشيطان بوساوسه ولا النفس بأهوائها وهوساتها ولا الدنيا بزهرتها لما يشاهد من بطلان أمتعتها وفناء نعمتها. ويتعلق قلبه بربه الحق الذي هو يحق كل حق بكلماته فلا يريد الا وجهه ولا يحب الا قربه ولا يخاف الا سخطه وبعده يرى لنفسه حياة طاهرة دائمة مخلدة لا يدبر أمرها الا ربه الغفور الودود ولا يواجهها في طول مسيرها الا الحسن الجميل فقد أحسن كل شيء خلقه ولا قبيح الا ما قبحه الله من معصيته”.

فهذا الانسان يجد في نفسه من البهاء والكمال والقوة والعزة واللذة والسرور ما لا يُقَدَّر بقدر وكيف لا؟ وهو مستغرق في حياة دائمة لا زوال لها ونعمة باقية لا نفاد لها ولا ألم فيها ولا كدورة تكدرها وخير وسعادة لا شقاء معها هذا ما يؤيده الاعتبار وينطق به آيات كثيرة من القرآن لا حاجة إلى ايرادها على كثرتها.

فهذه آثار حيوية لا تترتب الا على حياة حقيقية غير مجازية وقد رتبها الله ويؤيده بل يدل عليه كلام امير المؤمنين (ع) في خطبة المتقين في نهج البلاغة: “فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون”، في انعكاس الإيمان على حياة الإنسان فيعيش آثره حياة حقيقية وحتى  تنعكس هذه الأثار للإيمان على حياة الانسان لا بدّ أن يعيش هذا الإيمان سلوكا وعملا في حياته بتطبيق تعاليمه والتزام احكامه العبادية منها والعملية والسلوكية والاخلاقية ولا يكتفي بالأيمان النظري حتى تتحوّل التقوى كما ذكرنا إلى ملكة لدى المؤمن بحيث تصبح المخالفة  لديه بارتكاب المعصية أمراً  غير يسير وبهذا المعنى يكون المراد من العمل الصالح كل عمل حسن كالإحسان إلى الناس ومساعدة الفقراء ودفع الظلم عن المظلومين وما شابه من الأمور الحسنة.

اما العبادات فهي من العمل الصالح ولكنه مربوط بالإيمان ولا ينفصل عنه وهو مقصودنا من الأيمان العملي والسلوكي الذي يُقوِّي الحضور الالهي في نفس الإنسان والشعور بالرقابة الإلهية الدائمة التي يستقيم بها السلوك وتتحقق معها التقوى والتزام الأحكام الإلهية والشريعة الربانية من فعل للواجبات وترك للمحرمات.

وقال الشيخ الخطيب: “لذلك، فإن ما نراه من كثير من المؤمنين من التفريط وعدم الالتزام وانفصام وازدواجية بين الاعتقاد وبين عدم الالتزام بأكثر الاحكام الإلهية وأحياناً الانتقائية فيلتزمون بالصلاة ولا يتورَّعون عن أكل الحرام والظلم والغيبة والنميمة وإيقاع الفتنة بين المؤمنين وعدم الستر لمفاتن الجسد والتعاون مع الظالمين، والبعض مع الاعداء يعملون لديهم مخبرين وأعينًا وجواسيس، او يعملون على إضعاف المقاومة ويروّجون الاشاعات الكاذبة لصالح القوى المعادية ، وهو ناتج عن ضعف في الانتماء الوطني والديني والإيماني  لدى البعض، والسطحية  في الفهم لدى البعض الآخر والتعلق بالدنيا والانقياد للأهواء والغرائز التي تتحكم بالموقف السياسي من المقاومة”.

واكد ان “المقاومة تقوم بأشرف عمل إنساني وإيماني اليوم في الدفاع عن القيم الانسانية والايمانية في مواجهة العدو المتمثِّل بالعصابات الصهيونية المحتلة لفلسطين وتمارس العدوان والقتل والمجازر والابادة على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة ومنها الشعب اللبناني”.

وقال: “البعض يُظهِر المقاومة على انها المعتدية وانها تعطي المبرر لهذه العصابات في الاعتداء على لبنان وشعبه وتهين شهداءه الابرار وأنهم يُقتَلون بلا مبرر ولمصالح أجنبية. هؤلاء يمارسون فعل خيانة وطنية وانسانية وسقوط أخلاقي، وكان عليهم أن يخجلوا من انفسهم قبل أن يقوموا بقذفها بما هو الصق بهم ،هؤلاء الذين ينضحون حقداً وكراهيةً وعنصرية، ولم يرَ اللبنانيون منهم إلا السلبية من دون إيجابية فعلوها، فلم يحفظوا للبنانيين وللوطن كرامة ولم يدافعوا عن سيادة ولا يريدون أن تكون له قوة، لكن شعب لبنان يقف اليوم مع مقاومته ولم يعد ينصت لصياح هؤلاء فقد افتُضِحَ أمرهم وبانَ كذب ادعاءاتهم وتخويفهم للبنانيين من المقاومة ولعبهم على الوتر الطائفي، فقد اثبتت المقاومة انها أكبر وأشرف من اكاذيبهم وادعاءاتهم وانها ترسم اليوم خريطة جديدة للمنطقة ليس للطائفية وللطائفيين فيها من مكان بعد اقتلاع عصابات القتل الصهيوني من فلسطين واسترجاع الشعب الفلسطيني لأرضه ليقيم عليها دولته الحرة من البحر إلى النهر ان شاء الله ونتخلّص من هذه الشجرة الخبيثة مع ما فرَّخته من عنصريات تخاف على نفسها أن تُقتَلع معها”.

وقال: “لقد كانت المقاومة الشجرة الطيبة فرعها في السماء تؤتي أكلها اليوم بإذن ربها اما العصابات العنصرية الشجرة الخبيثة ستجتث من فوق الأرض بإذن الله ما لها من قرار لن تنفعها كل الاساطيل التي استُقدِمت اليوم كما لم تنفعهم بالأمس حيث استُقدِمت إلى لبنان حين كان المشروع إلحاق لبنان بمشروع الدولة الصهيونية، وكما لم تستطع بكل ادواتها الارهابية أن تنال من عزيمة شعبنا ومقاومته فخابت ومن كان وراءها”.

اضاف: “إنّ المقاومة للعدو المعتدي والمجرم السفاح هي أبرز وجوه الصلاح في أمتنا التي أحيتها بعد أن أرهبها الأعداء فأذلوا عزيزها، فتحية إلى شعبنا الذي يحتضن مقاومته التي تناجز اليوم عدوّها المتستِّر وراء عصابات الاجرام والإرهاب، تحية له على صدقه وعلى صبره وعلى تضحياته وعلى شهدائه الذين استحقوا على لبنان حكومة ومتمكِّنين ديناً في رقابهم أن يكونوا أوفياء لهم، فهو حق وواجب وليس استعطاءً ولا استعطافاً ولا تَكَرُّماً، وقد ترك الكثيرون بيوتهم ونزحوا منها فماذا قدمت الحكومة لهؤلاء الشرفاء؟؟ وإذا كان هؤلاء الكرام يصمتون ولا يطلبون فمن حقّهم علينا أن نرفع الصوت وأن نُطالب المنظمات الدولية أيضاً بالقيام بواجبها في هذا المجال”.

وختم الخطيب: “يا أبطال المقاومة ويا شعوب أمتنا التي تقف اليوم وراء شجعانها في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق واليمن وايران بكل شجاعة واقتدار: النصر والتاريخ تكتبونه اليوم بدماء شجعانكم فلقد وتدتم في الارض أقدامكم ونظرتم أقصى القوم تزول الجبال ولا تزالون، تعضّون على النواجذ، أعرتم الله جماجمكم، و وتدتم في الأرض أقدامكم، ورميتم بأبصاركم أقصى القوم، وغضضتم أبصاركم، واعلموا أن النصر من عند الله سبحانه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)”.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *