هذه ليست إسرائيل التي أعرفها.. (2)

بقلم توماس فريدمان

«نيويورك تايمز»

قبل 7 أكتوبر، اعتقدت هي وجيرانها أنّ التهديد يتمثّل في الصواريخ، على حدّ قولها، لذا قاموا ببناء غرف آمنة، لكن الآن بعدما جاء مسلّحو حماس شخصياً، فمن يدري ما هو الآمن؟: «تمّ تصميم الغرفة الآمنة لحمايتنا من الصواريخ، وليس من إنسان آخر قد يأتي ويقتلنا بسبب هويّتنا». وختمت بأنّ أكثر ما يحزنها ويحبطها، أنّ بعض سكان غزة الذين عملوا على بناء الكيبوتس، ربما هم أعطوا حماس خرائط التخطيط.

هناك الكثير من الإسرائيليين الذين استمعوا إلى تسجيل نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، لمسلّح من حماس شارك في هجوم 7 أكتوبر، وعرّفه والده باسم «محمود»، وهو يتّصل بوالديه من هاتف أحد الأشخاص. امرأة يهودية كان قد قتلها للتوّ، ويناشدهم التحقّق من رسائل الواتساب الخاصة به لرؤية الصور التي التقطها لبعض اليهود العشرة الذين قتلهم وحدهم في مفالسيم، وهو كيبوتس بالقرب من حدود غزّة.

«انظروا كم قتلت بيدي! ابنك قتل اليهود»، يقول، بحسب ترجمة باللغة الإنكليزية. ويضيف لاحقاً: «أمي، ابنك بطل». ويمكن سماع والديه وهما مبتهجان على ما يبدو.

هذا النوع من الحماسة المخيفة، لقد بنيت إسرائيل بحيث لا يمكن أن يحدث شيء من هذا القبيل أبداً، يفسّر اللافتة المحلية الصنع التي رأيتها على الرصيف بينما كنت أقود سيارتي عبر حيّ التلة الفرنسية اليهودي في القدس منذ بضعة أيام: «إمّا نحن وإمّا هم».

تصلّب قلوب الإسرائيليين

الهيجان المبتهج الذي وقع يوم 7 أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1,400 جندي ومدني، لم يؤدِّ فقط إلى تصلّب قلوب الإسرائيليين تجاه معاناة المدنيين في غزة. بل تسبّب بشعور عميق بالإهانة والذنب لدى الجيش الإسرائيلي ومؤسسة الدفاع، لفشلهما في مهمّتهما الأساسية المتمثّلة في حماية حدود البلاد.

نتيجة لذلك، هناك قناعة لدى الجيش بأنّه يجب عليهم أن يثبتوا للجيران بأكملهم، للحزب في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات الإسلامية في العراق، وحماس والمقاتلين الآخرين في الضفة الغربية، أنهّم لن يردعهم شيء لإعادة إرساء الأمن على حدودهم.

وبينما يصرّ الجيش على أنّه يلتزم قوانين الحرب، فهو يريد أن يُظهر أنّه لا يمكن لأحد أن يتفوّق على إسرائيل المجنونة، تمهيداً لطرد سكّانها، حتى لو كان على الجيش الإسرائيلي أن يتحدّى الولايات المتحدة، وحتى لو لم يكن لديهم أيّ خطة قوية لحكم غزّة في الصباح التالي للحرب.

كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، للصحافيين يوم الأربعاء: «لا يمكن لإسرائيل أن تقبل مثل هذا التهديد النشط على حدودها. لقد تعرّضت فكرة الناس الذين يعيشون جنباً إلى جنب في الشرق الأوسط للخطر من قبل حماس».

وقد عاد هذا الصراع الآن إلى جذوره الكتابية والبدائية: «العينُ بالعين والسنُّ بالسنّ». لهذا أشعر بقلق شديد بشأن القيادة هنا اليوم. كنت أسافر في أنحاء الضفة الغربية يوم الثلاثاء عندما سمعت أنّ نتانياهو أخبر شبكة ABC News  للتوّ أنّ إسرائيل تخطّط للاحتفاظ «بالمسؤولية الأمنيّة الشاملة» في غزّة «لفترة غير محدّدة» بعد حربها مع حماس.

نتانياهو ومستحيلاته

حقاً؟

خذ في الاعتبار هذا السياق: «وفقاً لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي الرسمي، في نهاية عام 2021، يعيش 9.449 ملايين شخص في إسرائيل (بما في ذلك الإسرائيليون في مستوطنات الضفة الغربية)، حسبما ذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» العام الماضي. من بين هؤلاء، 6.982 ملايين (74%) يهود، 1.99 مليون (21%) عرب، و472,000 (5%) من جنسيات مختلفة. ويقدّر مكتب الإحصاء الفلسطيني عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية بما يزيد قليلاً على ثلاثة ملايين نسمة، وسكّان غزة بما يزيد قليلاً على مليونَي نسمة».

لذا يقول نتانياهو إنّ سبعة ملايين يهودي سيسيطرون إلى أجل غير مسمّى على حياة خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وغزّة، في حين لا يعرض عليهم أيّ أفق سياسي، أو أيّ شيء، على شكل دولة في يوم من الأيام وبأيّ شروط منزوعة السلاح.

في وقت مبكر من صباح يوم 29 تشرين الأول، بينما بدأ الجيش الإسرائيلي يتحرّك داخل غزة، قام نتانياهو بالتغريد ثمّ حذف منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي ألقى فيه باللوم على مؤسسة الدفاع والاستخبارات الإسرائيلية لفشلها في توقّع هجوم حماس المفاجئ. (نسي نتانياهو بطريقة أو بأخرى عدد المرّات التي حذّره فيها قادة الجيش والاستخبارات الإسرائيليون من أنّ انقلابه غير الضروري على الإطلاق ضدّ النظام القضائي في البلاد كان سبباً في كسر الجيش، وكان أعداء إسرائيل جميعاً يلاحظون ضعفه).

بعد انتقادات الجمهور له بسبب طعنه رقمياً لقادة جيشه ومخابراته في الظهر في خضمّ الحرب، نشر نتانياهو تغريدة جديدة. وكتب: «لقد كنت مخطئاً»، مضيفاً أنّ «الأشياء التي قلتها عقب المؤتمر الصحافي لم يكن ينبغي أن تقال، وأنا أعتذر عن ذلك. أنا أؤيّد تماماً رؤساء الأجهزة الأمنية [الإسرائيلية]».

لكنّ الضرر كان قد وقع. إلى أيّ مدى يثق هؤلاء القادة العسكريين بما سيقوله نتانياهو إذا توقّفت الحملة على غزة؟ من هو القائد الحقيقي الذي سيتصرّف بهذه الطريقة في بداية حرب البقاء؟

خطايا نتانياهو الكثيرة

اسمحوا لي أن لا أبالغ في الكلام، لأنّها ساعات عصيبة مظلمة وإسرائيل، كما قلت، في خطر حقيقي. لقد أخذ نتانياهو ومتعصّبوه اليمينيون المتطرّفون إسرائيل في رحلات متعدّدة من الخيال في العام الماضي:

– تقسيم البلاد والجيش حول الإصلاح القضائي الاحتيالي.

– وإفلاس مستقبلها باستثمارات ضخمة في المدارس الدينية التي لا تدرّس الرياضيات.

– وفي الضفة الغربية اليهودية المستوطنات التي لا تعلّم التعدّدية.

– في حين تساعد حماس على بناء نفسها، رغم أنّها لن تكون شريكاً للسلام أبداً.

– وتمزيق السلطة الفلسطينية، الشريك المحتمل الوحيد للسلام.

كلّما أسرعت إسرائيل في استبدال نتانياهو وحلفائه من اليمين المتطرّف بحكومة وحدة وطنية حقيقية من يسار الوسط ويمين الوسط، كانت الفرصة أفضل أمامها للتماسك خلال ما سيكون حرباً عواقبها جهنّمية. والفرصة المُتاحة الآن هي أنّ الرئيس بايدن، الذي قد يكون متراجعاً في استطلاعات الرأي في أميركا ولكن يمكن أن يُنتخب هنا بأغلبية ساحقة بسبب التعاطف الذي أظهره في ساعة حاجة إسرائيل؟ وهو لن يربط مصداقيته ومصداقيتنا بنتانياهو إسرائيل، التي لن تكون قادرة على مساعدتنا بشكل كافي كي نستطيع مساعدتها.

هذا المجتمع أفضل بكثير من قائده. إنّه لأمر سيّئ للغاية أنّ يستلزم الأمر حرباً لنفهم هذا.

رون شيرف هو عضو متقاعد في وحدة القوات الخاصة الأكثر نخبوية في إسرائيل ومؤسّس جماعة «إخوة السلاح»، وهو تحالف الناشطين الإسرائيليين الذي حشد المحاربين القدامى وجنود الاحتياط لمعارضة الانقلاب القضائي الذي قام به نتانياهو. مباشرة بعد غزو حماس، ركّزت جماعة «إخوان السلاح» على تنظيم جنود الاحتياط وعمال الإغاثة للوصول إلى الجبهة، اليسار، اليمين، المتديّنين، العلمانيين، لا يهمّ، قبل ساعات عديدة من قيام هذه الحكومة غير الكفوءة بذلك.

إنّها قصة رائعة من التعبئة الشعبية التي أظهرت مدى التضامن الذي لا يزال مدفوناً في هذا المكان والذي يمكن أن يطلق العنان لرئيس وزراء مختلف، رئيس موحّد، وليس مقسّم. أو كما قال لي شيرف: «عندما تذهب إلى الجبهة، تغمرك قوّة ما فقدناه».

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *