لقاء منتدى التفكير الوطني في الديمان

عقد منتدى التفكير الوطني لقاءه المناطقي الدوري في الديمان، بالتعاون مع رابطة قنوبين البطريركية للرسالة والتراث. وتوزع في موقع الكرسي البطريركي وحديقة البطاركة والجوار من نطاق الديمان – وادي قنوبين.
شارك في اللقاء: المطران سمعان عطالله، الوزير السابق د.عدنان منصور، المونسنيور عبدو بو كسم، الخوارنة باسم الراعي، خليل عرب، جورج يرق، الأخت لينا الخوند، دة. منى رسلان، دة. ليندا غدار، دة. رنا زين، دة.عدلا طربيه، جنى فارس، سمر زغريني، د.علي فاعور، د.حبيب فياض، د.أمين فرشوخ، د. جان نخول، د. الياس الحلبي، د.نسيم أبو ضرغم، د. أحمد طالب، د.غسان ونوس، المحامي عمر زين، المحامي جوزف فرح، المحامي وليد غياض، المحامي سعيد نصر الدين، المحامي زكريا الغول، سيمون سعادة، سركيس بو زيد، أنطوان فرنسيس، جميل ملك وجورج عرب.
بداية النهار كانت في استراحة خدمات الزوار “سما قنوبين” في واحة عصام فارس للتنمية والتراث، في موقع حديقة البطاركة، ومنها الى بيت الذاكرة والأعلام حيث رحّب الزميل جورج عرب بالحاضرين، معرّفاً بالموقع وبالدور الثقافي البحثي الذي يحققه بيت الذاكرة والأعلام. ووجّه، باسم الحاضرين، تحية للبطريرك الراعي لعنايته بموقع حديقة البطاركة مستضيف هذا اللقاء الوطني، ولمبادراته المتعلقة بحماية التراث الثقافي والوطني المشترك، الذي يعمّق وحدة اللبنانيين .
ثم كانت قراءة للخوري جورج يرق في موضوع ” المتصوفون المسلمون وجبل لبنان ” ومنه الوادي المقدس. وأورد مجموعة من النصوص المعاصرة الواردة، بصورة أساسية، لدى الخوري ميشال الحايك والأب يوحنا صادر، وقبلهما مع عدد من الباحثين المسلمين، الى جانب صور لمحابس ومغاور في الوادي المقدس تحمل تسميات طابعها اسلامي، وكلها تبرز العلاقة بين المتصوفين المسلمين ونساك الوادي المقدس من المسيحيين. ولفت الى أن المسألة تستلزم المزيد من الأبحاث المعمقة، آملاً تحقيقها من خلال المؤتمرات والدراسات التي تنظمها رابطة قنوبين للرسالة والتراث وسواها.

التعددية والبناء الوطني.
ثم كانت مداخلة للمطران سمعان عطالله حول التعددية الرسالة والتجذر والحماية. وجاء فيها:
نعيش، هنا هذه الأيّام، كما وفي العديد من المناطق على الكرة الأرضيّة، في أجواء التهجير والنزوح، الإختياريّ مرّة والإجباريّ مرة أخرى. أمام هذا الواقع، يعرف لبنان أزمة حادّة في هذا الحقل، أتت نتيجة الحروب، بالتجويع والإنهاك هنا، وبالحديد والنار، هناك، مع ضرب حركة الإقتصاد وشلّ السياسة والحكم في البلاد، والإنهيار الماليّ، وانحدار الأخلاق وضياع القيم,
وتابع: إن التعدّديّة، التي اختارها اللبنانيون عندما تحرّروا من عبء الإستعمار العثمانيّ، وثبّتوها بالميثاق فيما بينهم، تتطلّب التجذّر، أولا، كلّ حسب قناعاته الحضارية الجامعة، على أكثر من صعيد، وبخاصة على صعيد الإيمان؛ والإيمان ثقافة تبني حضارة. وحماية هذه التعدديّة تتطلّب شجاعة وجرأة في المواقف، من جهة، ومن جهة أخرى، صدقاً وإخلاصاً في الإلتزام بها. يحدث أن يظهر من يُشكّك بها. إذا كان التشكيك بها يطول حقيقتها: قضيّةً اجتماعيّة، ورسالة سامية شاملة وجامعة، تكون زادا للبشر أجمعين، فالسقوط في حقيقتها يُصبح عنصريّة أي خيارا شيطانيّا، لا محالة. الجواب على المشكّكين، يعطيه الحوار أو التحاور الصادق للبلوغ إلى التفاهم.
ثم تليت مداخلة الأب فادي تابت، التي ألقاها في مهرجان تراتيل سجادية التاسع في العتبة الحسينية المقدسة في كربلاء، العراق من 11 حتى 13 آب الجاري، تحت عنوان “رسالة العلم وتنشئة العلماء”. وتناولت المداخلة موضوع العلم حق للرعية، والله مصدر العلم والحكمة. وأشارت الى العلم في القرآن الكريم وفي الكتاب المقدس والى التحرر من عبودية الجهل ونشر العلم والمعرفة.
وكانت مداخلات لكل من الخوري د. باسم الراعي في النص السياسي للمجمع الماروني الذي انعقد سنة 2005 . وقال : ” خبرة الوادي هي مكان تناضح حضاري وخبرة مع المتصوفين المسلمين مع نساك الوادي لتبادل روحي زهدي . هنا أصل لبنان في هذا التناضح الحضاري الروحي. وهي خبرة امتدت مع نعمة الله الحرديني وشربل. وأشار الى اعلان المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني حول العلاقة الطيبة بالمسلمين . وأكد أن لبنان الرسالة هو بناء حضاري قبل أن يكون بناءً سياسياً “.
حوار مفتوح
ثم جرى حوار مفتوح تناول شؤوناً ثقافية وتراثية واجتماعية ووطنية، انطلاقاً من المداخلات ومن تجربة قنوبين الروحية والثقافية. وقد اطلع الحاضرون على جملة ما تقوم به رابطة قنوبين للرسالة والتراث على مستوى العناية بتراث الوادي المقدس، وإبرازه في لبنان والعالم. وعرض فيلم مغاور الوادي المقدس، الذي يحاكي حركة النسّاك المسيحيين الذين تنسكوا في الوادي، وبعض المواقع التي يرجح ان المتصوفين المسلمين قد عرفوها.
لقاء البطريرك الراعي
ومن حديقة البطاركة الى الكرسي البطريركي، وجولة اطلاع على أقسامه وكنيسته المزينة بجدرانيات الفنان صليبا الدويهي، ومنها الى مكتبة الوادي المقدس، وجولة في قاعاتها المتصلة بمطل صخرة الدبس الذي يكشف الوادي المقدس بكل أقسامه الجغرافية.
واختتام النهار كان بلقاء مع البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي. وقد تحدث باسم المنتدى، كل من المطران عطالله، الوزير منصور، ودة. غدار، والمحامي عمر زين ود. علي فاعور. وأبدوا تقديرهم للخصائص الثقافية المميزة التي تطبع موقع الوادي المقدس، الذي تعرفوا اليه اليوم مباشرة. واعتبروا أن هذه الخصائص ذات الأبعاد الأخلاقية والوطنية تشكل عنصر لقاء بين اللبنانيين. وشددوا على أخطار ثلاثة هي تداعيات الفراغ الرئاسي، وتداعيات النزوح السوري، وخطر استهداف العائلة لتفكيكها. ورد البطريرك الراعي بكلمة رحّب فيها بالمنتدى في الديمان، وبعض أعضائه يزورون المنطقة للمرة الأولى. وشدد على أهمية تفعيل دور المنتدى للاسهام في إشاعة أجواء التلاقي والتواصل والوحدة، بعيداً عن كل أشكال التحديات والانقسامات. وقال: لا خلاص للبنان إلا بإدارة أبنائه، ووحدتهم الوطنية هي ضمانة مستقبلهم. ومهما كثرت المبادرات الخارجية تبقى قاصرة عن تحقيق خلاص لبنان اذا لم يلتزم اللبنانيون بمصلحة وطنهم العليا، ويتجاوزوا خلافاتهم الشخصية والفئوية. وشدد البطريرك الراعي على أن مدخل الحل للأزمة القاسية القائمة هو انتخاب رئيس للجمهورية وفق الآليات الديموقراطية المعتمدة في نظامنا السياسي بعيداً عن كل مشاحنات وتحديات وتعطيل. ولفت الى أن هذه الأزمة كشفت محورية موقع رئاسة الجمهورية، وأكدت أنه الرأس الدستوري فعلياً الذي بدونه لا حياة للجسم المؤسساتي، بالرغم من كل ما يحكى عن تراجع صلاحياته الدستورية. وحذر البطريرك الراعي من خطورة الموقف الدولي المتعلق بالنازحين السوريين وتواجدهم في لبنان. وقال: مؤسف جداً ومستغرب هذا الموقف الذي تلتزم به كل الدول تقريباً، بدليل اعتمادها خطاب واحد موحّد، يربط الحل الإنساني، الذي يكفل عودة النازحين الى سوريا، بالحل السياسي المتعثر. وكشف أنه يتابع هذا الملف الخطير من خلال مراسلاته للمسؤولين في الخارج، ولقاءاته المتوالية بسفراء الدول. ولكن أجوبتهم على تساؤلاتنا غريبة ومؤسفة. وختم: ان انقساماتنا الداخلية أوصلت لبنان الى حالته المزرية الراهنة، وأوجدت فيه حالة غير مسبوقة في العالم، اذ أوجدت دولة بلا رئيس جمهورية، هذه الإنقسامات تبرز عدم مسؤوليتنا الوطنية، ما يبرر للعالم تخليه عن مسؤولياته تجاهنا.
وفي نهاية اللقاء قدم الدكتور حبيب فياض كتابه فلسفة التدين للبطريرك الراعي، الذي شكره، داعياً له بالتوفيق.
بيان المنتدى
وفي نهاية النهار أصدر المنتدى البيان التالي:
1 – استلهم أعضاء المنتدى خلال نهار كامل في رحاب الوادي المقدس خصائص ثقافية وطبيعية مميزة تطبع هذا الوادي المصنف في لائحة التراث العالمي ثروة ثمينة للبنان وللإنسانية جمعاء. ووجدوا في هذا المناخ المميز رمزية القيم الأخلاقية والوطنية التي تجمع اللبنانيين وتوحدهم على الولاء للبنان، وعلى تحصينه بهذه الوحدة .
2 – يثمّن أعضاء المنتدى اللقاء الطيب الذي عقدوه مع غبطة البطريرك الكردينال الراعي، وكان فرصة لتوليد المزيد من أنوار المعرفة المتبادلة البناءة، التي ينتجها كل حوار، والتي تعزز الثقة بمستقبل لبنان الواحد.
3 – يقدّر أعضاء المنتدى استضافة رابطة قنوبين البطريركية للرسالة والتراث لهم في موقع حديقة البطاركة، الديمان – قنوبين، وللمحطات الثقافية والسياحية التي نظمتها خلال النهار، وكلها تبرز عمق الموروث الثقافي الذي يقف وراء دور لبنان الحضاري ورسالته في المنطقة والعالم.
4 – إن منتدى التفكير الوطني اذ يستوحي هذا الموروث الوطني الثمين يناشد جميع الأطراف اللبنانية اعتماد خطاب التلاقي والانفتاح واحترام الآخر المختلف وتأكيد محبته، والاقلاع عن خطاب التحريض والتفرقة والإنقسام. ان الخطاب العقلاني المطلوب يعكس مدى الأمانة للبنان الوطن الرسالة، القائم على وحدة أبنائه وتضامنهم. ويذكر المنتدى جميع اللبنانيين أن “قدرهم الوطني” يحكمهم بالعيش معاً والتفاهم وتطوير خبرات الحياة المشتركة المعيوشة، من أجل مستقبل يتساوون فيه في الحقوق والواجبات.
5 – من أجل ذلك يتطلع المنتدى الى مواقف وطنية جامعة تبني وتقرّب وتوحد. تقود بلغة الحوار والتفاهم الى انتخاب رئيس للجمهورية يعيد انتظام عمل المؤسسات الدستورية التي تكفل مستقبل اللبنانيين، بخاصة الشباب منهم، فوق أرض لبنان.
6 – يتابع المنتدى سعيه المتعلق بموضوع النازحين السوريين، ويؤيد كل المبادرات والجهود المتعلقة بهذا الملف الخطير، والتي يجب أن تتوحد لتشكل جبهة وطنية لاعادة النازحين السوريين الى بلادهم خدمة للبنان ولسوريا.
7 – يحذر المنتدى من أخطار تستهدف البنى العائلية، التي هي أساس النسيج الوطني المتماسك، من خلال الأفكار الغريبة العجيبة الدخيلة على ثقافة اللبنانيين وقيمهم الروحية ومعتقداتهم الدينية، التي أقل ما يقال فيها انها تخالف الطبيعة البشرية التي شاءتها الإرادة الإلهية.
8 – يأمل المنتدى عقد قمة روحية تؤكد ثوابت الوحدة الوطنية، وتشكل دفعاً لمساعي انهاء الفراغ الرئاسي، ودفعاً لمعالجة ملف النزوح السوري في لبنان. وتصوب ما يسمى باستهداف القيم الدينية والأخلاقية والوطنية، التي تهدد العائلة والمجتمع.
9 – يناشد المنتدى وسائل الأعلام الاضطلاع بمسؤوليات انقاذية في هذه الأزمة التي تهدد الجميع. ولتركز على خطاب القيم السامية بعيداً عن كل انحدار وتحريف وتشويه لركائز النسيج اللبناني في القيم الفردية والعائلية والجماعية.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *