عربيد لـ”الشرق”: دون تحقيق الإصلاحات سنرى ارتفاع الفقر والبطالة والهجرة وصندوق النقد الدولي لن ينسحب من لبنان

كتبت ريتا شمعون

اعتبرت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف أن قادة لبنان يفتقرون الى الإحساس بضرورة الإسراع في إخراج بلدهم من الأزمة ورأت في تصريح أن مخرج لبنان من أزمته هو الوصول الى إتفاق مع صندوق النقد الدولي.

كما أن السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو أكدت من الجامعة اليسوعية، أنه يجب أن يتحمل المسؤولون اللبنانيون مسؤولياتهم وأضافت: المطلوب سير عمل المؤسسات، فما يعيشه اللبناني أمر غير طبيعي .

وجاء كلام رئيس بعثة صندوق النقد الدولي أرنستو راميرز عن خطورة الوضع في لبنان ليضع الأصبع على الجرح في ما خص إهمال المسؤولين وعجزهم الفاضح عن وقف الإنهيار..

توجيهات وتنبيهات ديبلوماسية دولية، ولا من يتأثر، فالسلطة السياسية لا يهمها لا تصريح من هنا ولا موقف من هناك وعلى ما يبدو أنها لن تتأثر، هي تعيش حالة إنكار ربما لعدم إلمام بعضها بالأزمات الإقتصادية المعقدة التي يواجهها لبنان، لكونه وبعد أن وصل الى إتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي يشهد جمودا في هذا الخصوص نتيجة الفوضى السياسية والإقتصادية .

لكن، إذا لم يقم لبنان بالإصلاحات المطلوبة هل سينسحب صندوق النقد الدولي من لبنان؟

أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الباحث والدكتور وليد عربيد يؤكد في حديث لجريدة “الشرق” أن الصندوق لن ينسحب من لبنان، وفي قراءة إقتصادية-سياسية تحدث عن مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية تضع لبنان على مفترق الطرق لا سيما وأن المشهد الدولي في النزاعات القائمة بين القوى العالمية تضع لبنان بين سندان الغرب ومطرقة الشرق وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على هشاشة النظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي في بلدنا.

وتوقف عربيد عند قول رئيس بعثة صندوق النقد الدولي أرنستو راميرز ريغو في ختام زيارته لبنان نعتقد أن لبنان في لحظة خطيرة للغاية، وأن الستاتيكو القائم والتقاعس عن اتخاذ إجراءات مطلوبة من شأنهما أن يدخلا البلاد في أزمة لا نهاية لها واعتبر عربيد أن الكلام الأكثر خطورة هو ما قاله أن لبنان وقّع إتفاقا على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي منذ ما يقرب من عام لكنه لم يستوف الشروط لتأمين برنامج كامل والذي ينظر اليه على نطاق واسع على أنه حاسم للتعافي.

وتابع : أن خطورة هذا الكلام هو وضع لبنان تحت  مقصلة البنك الدولي وفي المتغيرات الدولية الحاصلة اليوم على الخارطة الدولية ولبنان منها ، ويتابع رئيس البعثة الذي ينفذ قرارات مسؤوليه في واشنطن تجاه لبنان، أن استمرار تقاعس القادة اللبنانيين عن إتخاذ أي إجراء من شأنه ان يترك البلاد في أزمة لا تنتهي أبدا يمكن أن تتحول فيها الى تضخم مفرط ما يؤثر على جودة حياة العديد من اللبنانيين لسنوات مقبلة.

عربيد أكد أن صندوق النقد الدولي ليس جمعية خيرية  بل هي مؤسسة تنتهج استراتيجية اقتصادية ونقدية تسليفية تعمل لصالح النظام العالمي الذي يتحكم بمصير الشعوب المستضعفة.

مما لا شك فيه ان الإقتصاد اللبناني أصيب بالشلل بسبب إنهيار العملة التي فقدت نحو 98% من قيمتها مقابل الدولار الأميركي منذ 2019 ما أدّى الى تضخم ثلاثي الأرقام وانتشار الفقر وارتفاع نسبة البطالة فضلا عن موجات الهجرة القسرية .

وقال عربيد، الأزمة الإقتصادية في لبنان تفاقمت بعد عقود من التبذير في الإنفاق والفساد وسوء الإدارة من قبل النخبة الحاكمة مما دفع المصارف التي أقر ضت الدولة بكثرة الى فرض قيود على السحوبات النقدية بالدولار مشيرا الى أن الخسائر في النظام المالي تقدر بحوالى 70 مليار دولار معظمها مستحقة للبنك المركزي علما أن صندوق النقد الدولي شدّد على ضرورة توزيع خسائر القطاع المالي بطريقة تحافظ على حقوق صغار المودعين وتحدّ من اللجوء الى أصول الدولة .

ويجزم عربيد، بان صندوق النقد الدولي  لن ينسجب أبدا من مساعدة دولة عضو كلبنان لكن المساعدة تتوقف على مدى التزام لبنان ومثابرته في تنفيذ برنامج الإصلاح الشامل والطموح مؤكدا أنه ليس هناك موعد نهائي للبنان لتنفيذ الإصلاحات وهذه من الإيجابيات التي تصب في مصلحة لبنان لإعادة الثقة بالإقتصاد الوطني.

يشدّد ريغو في كلامه، على أن السلطات اللبنانية أقرت بعض إجراءات الإصلاح مثل موازنة 2022 ومراجعة وضع الأصول الأجنبية للبنك المركزي وقانون السرية المصرفية المنقّح، على الرغم من اعتراض صندوق النقد الدولي على بعض البنود من هذا التشريع و مع دخول الأزمة عامها الرابع لا تزال الإجراءات الأخرى متوقفة بحسب ريغو .

في المقابل، أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تعثر الإصلاح يضر بسمعة لبنان وبمدى استعداد الدول المانحة لتأمين التمويل اللازم له؟ في الإجابة على ذلك، نعم هناك صعوبة في الإجراءات وهذا بدوره يجعل صندوق النقد أكثر تشددا. وهذا ما رأيناه خلال المباحثات بين الطرفين اللبناني وممثلي الصندوق حول أمور ومقترحات جديدة لا تتناقض في جوهرها مع الأساسيات التي يرتكز عليها الإتفاق . ولكن إذا قامت بيروت بما التزمت به أمام المجتمع الدولي وبالسرعة المطلوبة فعندها يمكن أن نضع المدماك الأساسي ونؤسس للصدقية المطلوبة ما يؤمن بعض المرونة من قبل الصندوق ويسهّل إعادة النظر في بعض جوانب الإتفاق إذا اكتشفنا من خلال التطبيق وجود ثغرات معينة في البرنامج.

كما ذكرت في البداية يضيف عربيد، يقف لبنان حاليا عند مفترق طرق خطير ويوافق رئيس بعثة الصندوق بدون إصلاحات سريعة سيغرق لبنان في أزمة لا نهاية لها " متوقعا أن تظل مستويات البطالة والفقر مرتفعة مع استمرار تراجع الإمكانات الإقتصادية ، ومن شأن بقاء الوضع الراهن أن يزيد تقويض دعائم الثقة في المؤسسات الوطنية مشيرا الى ان الإستمرار في تأجيل الإصلاحات سيؤدي الى استمرار القيود التي تكبح الإقتصاد مع ما لها من تبعات على البلد ككل تصعب إزالتها لا سيما على شريحة الأسر المنخفضة الدخل الى المتوسطة الدخل.

كل هذه العوامل الجيو-إقتصادية والأمنية والشلل الحاصل في مرافق الدولة يجب أن تدفع

بالخبراء الماليين والأكادميين لرفع الصوت عاليا لإيجاد حلول لهذه الأزمة التي يشهدها لبنان.

عربيد يذهب بعيدا ويطرح الموضوع الأكثر الحاحا برأيه إلغاء الطائفية السياسية وضرورة التسريع بتشكيل اللجنة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية لتكون بداية تحقيق إتفاق الطائف واقامة نظام سياسي – إقتصادي يضمن وحدة البلد.

في نهاية المطاف يعتقد بعض السياسيين والمحللين أنه نظرا للتقدم البطيء بتنفيذ الإجراءات المسبقة فإن صندوق النقد الدولي سينسحب من الإتفاق ومن لبنان مؤكدا عربيد، أن الصندوق لن ينسحب من لبنان وهذا ما أكدته بعثة الصندوق قبل مغادرتها بيروت، أما إذا لم نقم نحن بما يجب علينا فهذا يعني عمليا بأننا نحن من يريد الإنسحاب من الإتفاق التي وافقت عليه السلطة السياسية وختم قائلاً: إن القرار لنا ومستقبل لبنان بأيدينا فصندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي هما عناصر مساعدة ولكن ليس من يقرّر مصيرنا.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *