حَدِيِثُ رمضان – رمضان كريم رغم كل شيء

بقلم: رولا الطبش

«رمضان كريم»

«علينا وعليكم»

كم هي بسيطة هذه التحية التي يتبادلها المسلمون، وكم هي غنية بالمعاني، بالرحمة والإيمان، في « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان « (سورة البقرة).

كانت الدنيا تتغير، إلى الأحلى. القلوب تتآخى. الوجوه فرحة وسمحة. العائلات تترابط وتلتقي. الجيران في البناية والحي أشبه بعائلة كبيرة.

ذكريات رمضان تعيدنا إلى الزمن الجميل. موائد الخير. الصوم وتعبه المستحب. الفوانيس. مدفع الإفطار الأذان.

كان لرمضان في بيروت مقومات ومظاهر تبعث الفرح في القلوب وتنشر السرور في الأحياء والشوارع الازقة والزواريب حيث يضاء معظمها وتنتشر الأنوار كل حسب منطقته ومقدرته وكانت تشارك البلدية في تزيين الشوارع وتصدح المساجد بالتهليل والترحيب بالشهر الفضيل.

ولا يمكن أن يغيب الطبال عن ذكريات هذا الشهر الفضيل، هو الذي كان يدور في الشوارع قبيل الفجر لينادي: «يا نايم وحد الدايم … وقوموا على سحوركم إجا رمضان يزوركم».

ومن عادات شهر رمضان المبارك في بيروت الاحتفال بليالي غزوة بدر، وفتح مكة، وليلة القدر في المساجد.

رمضان دائماً هو شهر صلة الأرحام؛ فلو شغلتنا الحياة طوال السنة عن أقاربنا لا تشغلنا في رمضان، لنجعل من رمضان باباً يُفتح للأقارب والأرحام، ليكن رمضان سبباً لزيارة الأرحام وتفقّد أحوالهم، وصلة القاطع منهم.

كان شهر رمضان بجماله وعفويته وتحاب أهله وتعاونهم وتعاضدهم كالطيف الخفيف أو كلمح البصر مليئاً بالدعاء لله بالرحمة وَالعفو والغفران. وينتشر الخير ويعم على الجميع خصوصاً أن المسلمين اعتمدوا إخراج زكاة أموالهم وزكاة الفطر بهذا الشهر الفضيل.

رزق الله على أيام كانت تفيض بالخير والبركة في شهر تتجلّى فيه معاني الرحمة الإلهيّة، والمغفرة للذنوب والخطايا، وقد ضاعف الله أجور الصائمين. إذ إنّ عبادة الصيام لا يَطّلع عليها أحدٌ إلّا الله، ومن النِّعم التي تتحقّق للعباد في شهر رمضان أيضاً مغفرة ذنوب الصائمين من رمضان إلى رمضان الذي يليه، كما أنّ الصِّيام من العبادات التي تشفع للعباد يوم القيامة.

كما حثّ الله عباده على التراحُم في ما بينهم لعدّة أسبابٍ. فالله -سبحانه- رحيمٌ يحبّ الرُّحماء من عباده، ولذلك فالرحمة مطلوبةٌ من المسلم تِجاه أخيه المسلم، ومطلوبةٌ من الحاكم والمسؤول تجاه رعيّته.

ويعرف الشهر الفضيل بأنه شهر الصيام، العبادة التي اختص الخالق سبحانه بجزاء الصائمين عليها، ففي الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به» (رواه البخاري ومسلم)، إذ الصوم صنو الصبر، و{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب} (الزمر 10). وصوم الصائم تجلٍ لمعاني الإخلاص في عبادة لا مظهر فيها إلا الإمساك اختياراً عن كل الشهوات، امتثالاً وتقرباً، وبذلك كان شهر رمضان دورة تزكية روحية سنوية شاملة.

قد يغيب الكثير من حلاوة المأكل والمشرب عن موائد رمضان. وقد يغيب الكثير من طقوس هذا الشهر الفضيل، لكن الجو الإيماني سيظل حاضراً بقوة لا بل إن الصبر على الجوع تجاوزاً للرغبات المادية سيأخذ معنى أعمق للغفران للتوبة وصولاً إلى فرحة العيد.

نعم «رمضان كريم» على الجميع وعلى اللبنانيين الذين سيرفعون في صلواتهم وتراويحهم أدعية الخلاص من هذه المرحلة الأسوأ والأبشع في تاريخهم، عل عيد الفطر يحمل الفرحة لأطفالنا، والرضا لكبارنا، والطمأنينة لبلدنا… الله سميع مجيب.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *