شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – جسور ومشاريع

استوقفني الحوار الدائر حول ما يتردد عن الجسور والإعلانات في بيروت، فعادت بي الذاكرة الى حادثة من باب «الشيء بالشيء يذكر» من دون أن يكون لها أي علاقة بالمتداول، هذه الأيّام. ولكنها تشكل دلالة على الفوضى العارمة في التزامات المشاريع الإنشائية من جسور وطرقات ومبانٍ رسمية وسائر ما يرتبط بالبنى التحتية.

ولعلها مناسبة للحديث عن سوء التنفيذ في الكثير من تلك المشاريع… فتكاد لا تجد طريقاً فُرِش بالإسفلت إلّا ملأته الجور والحفريات. وأما أعداد «الريغارات» الهائلة فمن النادر أن تجد واحداً منها متساوياً مع طبقة الإسفلت، فهو إمّا فوقه أو دونه، ما يشكّل سلسلة من الأفخاخ التي لا نهاية لها تتربص بالسيارات وكثيراً ما تتسبب بالحوادث. وفي غياب وزارة التخطيط والتصميم فإن أموالاً عامة طائلة كانت تُنفق هدراً: فيوماً تُحفر الطريق لمد قساطل المياه، ومرة ثانية (حفرية جديدة في المكان ذاته) لأسلاك الكهرباء، وثالثة يكون الحفر في المكان إياه لخطوط الهاتف… وتلك تنفيعات معروفة تكبّد المال العام المزيد من الأموال. وهذا ما كان ليحصل لو أن في الحكومة حقيبة التصميم والتخطيط، وهي لن تكون، لأنها لا تخدم المنتفعين.

وأعود الى ما استحضرته ذاكرتي حول الجسور والإعلانات فأذكر أن جسراً كبيراً في العاصمة تأخر المتعهد عن موعد الانتهاء من تنفيذه أياماً وأسابيعَ وأشهراً عديدة بالرغم ممّا يترتب عليه من بند جزائي في العقد يوجب عليه تسديد مئة ليرة يومياً (في أيام عزّ الليرة والحد الأدنى للأجور، آنذاك، شهرياً 75 ليرة)… وبعد البحث والتدقيق تبيّن أن المتعهد أقام سياجاً بارتفاع بضعة أمتار ويمتد مئات الأمتار ذهاباً وإياباً حول مشروع الجسر وهو في منطقة حيوية، وقد باع السياج من بضع شركات إعلانات كان مدخوله منها مجتمعةً يفوق الخمسة آلاف ليرة كل يوم، وهو يحقق بذلك ربحاً كبيراً جداً بالقياس الى المئة ليرة في البند الجزائي… إنها عقلية قد يصفها البعض بالذكية، ولكن أين الوطنية أيها الأذكياء، وأين مصالح الناس مع تأخير تنفيذ المشروع الحيوي؟!.

والجواب معروف: بلا مسؤولية وطنية وبلا مصلحة عامة وبلا بلوط… فالمصلحة الخاصة فوق كل اعتبار.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *