شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – الشعب الذي لم يبقَ عنيداً

أمدّ الله في عمر السيدة فيروز التي أنشدت حبَّها لبنان في أغنيات كثيرة  تبقى عالقةً في السمع والوجدان، لما فيها من فرادة في الصوت الرائع الأنيق الذي ينبثق من أعماق القلب رقة وحناناً، وقوة وسحراً في آنٍ معاً، لتدخل به التاريخ من أبوابه العريضة المشرعة على الروعة الاستثنائية. ومن بين مئات تلك الأغاني الخالدة (وما أكثرها) أغنية «بحبك يا لبنان»، التي كان فيها الكثير من العنفوان والكرامة والاباء والوطنية، الى الوجع، والى رفض الحرب وويلاتها… وعندما كنا نستمع اليها، ونحن خارج الوطن الصغير المعذب، وهي تشدو بـ «لبنان الكرامي والشعب العنيد» كانت تستدرّ منا الأدمع، وفي اللحظة ذاتها تشحن فينا الأمل ، قَدْرَ القهر على وطنٍ كان يتداعى بفعل «حروب الآخرين» على أرضه… ولكننا كنّا على يقين ورجاء، بأنه لا بد لتلك الحرب الهستيرية أن تضع أوزارها، لينبثق من تحت الركام، ومن أكوام الجثث، وعلى أنقاض المتاريس، وطنٌ أشد مناعةً وأكثر بهاءً وأعظم روعة.

وخاب أملنا عندما تواطأ أقربون وأبعدون على تسليم أمورنا الى وصايةٍ تتبادل الغطاء مع ميليشيات لم تفلت منها كبيرة لم ترتكبها ولا شناعة لم تطاولها ولا محرَّمٌ لم تحلّلْه…

وكانت النتيجة أن اللبنانيين باتوا اليوم يؤثرون زمن الحرب على هذا السلام التافه، الذي لم يكن أكثر من ستار للمعصيات كلها.

والأنكى أن أشاوس الميليشيات تخلوا عن سلاح الحديد والفولاذ، ولجأوا الى سلاح الفساد والنهب والتجاوزات. والأخطر أنهم تلطّوا بشعارات الدين كذباً ونفاقاً لأنهم طائفيون ومذهبيون وليسوا  متديّنين، ونجحوا (في ما لم تستطعه الحرب) بضرب وحدة البلد عمودياً وأفقياً، وإفقار الناس وتجويعهم  وإخضاعهم الى مشيئة الإهانة والإذلال. والمؤلم أن هؤلاء الناس الذين يعيشون على الإعاشة تحولوا الى عبيد عند القائد والزعيم وسائر الآمرين الناهين، الذين يتربّعون في تكاياهم المريحة وفوق المال الحرام الذي كدّسوه من كدّ المواطنين وعلى حساب حقوقهم في رغد العيش ولقمة الكرامة…

ويا السيدة فيروز هذا الشعب ليس عنيداً (أو انه لم يعد كذلك) إذ تحوّل الى حناجرَ تبحث علناً عن اللقمة والى أبواق تهتف لأولئك المارقين و «بالروح وبالدم» تفتديهم!

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *