إنفجار المرفأ وكتاب القاضي صوان للبرلمان.. هل هو تسويف أو تخلّ عن صلاحياته؟


في وقت لا تزال التحقيقات في إنفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من آب/ أغسطس الماضي تتواصل وسط حزام حديدي من السرّية، برز تطور لافت شكلاً ومضموناً من خلال الكتاب الذي وجّهه المحقق العدلي، القاضي فادي صوان، الى مجلس النواب أبلغه فيه ان التحقيقات التي اجراها مع وزراء حاليين وسابقين وفّرت شبهات معيّنة عن مسؤولية هؤلاء الوزراء وتقصيرهم حيال معالجة وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ، وبالتالي طلب التحقيق معهم للإشتباه بإرتكابهم مخالفات او جرائم على صلة بالكارثة التي شهدتها العاصمة.

وفي حين اكد رئيس مجلس النواب، نبيه بري، ان المجلس قام باللازم وأجاب القاضي صوان، اوضحت مصادر قضائية في المقابل ان “الكتاب أُرسل الى مجلس النواب، والقاضي صوان أراد من خلاله وضع مجلس النواب أمام الأمر الواقع من أجل ممارسة صلاحياته في التحقيق معهم عبر المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي يتألف من ثمانية قضاة وسبعة نواب ممثِّلين لمعظم الكتل النيباية”.

ولفتت الى “ان القاضي صوان إستمع الى هؤلاء الوزراء كشهود في قضية إنفجار مرفأ بيروت وليس كمدّعى عليهم، والكتاب الذي وجّهه الى البرلمان سيُحدد ما إذا كانت له صلاحية بإستدعائهم كمدّعى عليهم أو أن هذا الأمر من صلاحية مجلس النواب حصراً”.

واكدت المصادر القضائية “ان القاضي صوان تسلّم منذ ايام نتائج التحقيقات الفنية والتقنية التي اجراها FBI بإنتظار نتائج تحقيقات الفريق الفرنسي، وهذا كافٍ لنؤكد ان لا تأخير في التحقيقات”.

كذلك، إكتفت المصادر القضائية بالتأكيد “ان التحقيقات شارفت على نهايتها بإنتظار القرار الظني الذي سيصدره القاضي صوان”.

حاتم ماضي

على اي حال، إعتبر مدّعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي ان “الكتاب يُشكّل سابقة في تاربخ القضاء اللبناني”، معتبراً “ان لا يحق للمحقق العدلي او للمدعي العام التمييزي او لأي قاض آخر ان يخاطب مجلس النواب إلا بواسطة وزير العدل” .

واشار الى “ان الوزير لا يملك اي حصانة تستوجب طلب رفعها قبل ملاحقته. والادّعاء عليه يكون من قبل مجلس النواب، وبالتالي يُحاكم امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.

إلا ان الافعال التي ارتكبها بحسب القاضي ماضي يجب ان تكون من نوع الخيانة العظمى او الإخلال بالموجبات الدستورية الملقاة على عاتقه، وألا تكون المحكمة العدلية وحدها الصالحة لمحاكمته”.

واعتبر مدعي عام التمييز السابق انه ” كان على المحقق العدلي اذا ما اشتبه بمسؤولية الوزير ان يستدعيه بصفة مدّعَى عليه ويحقق معه مثل اي مواطن” .

واشار الى انه “اذا تبين للمحقق العدلي ان جرم الوزير ليس من نوع الجرائم التي يجب ان يدّعي ويحقق بها مجلس النواب، فانه يصدر بحقه القرار المناسب، واذا وجد العكس يرسل التحقيقات الى مجلس النواب لكي يقوم المجلس بواجباته الدستورية”.

وأوضح “ان المحقق العدلي هو من يُصنّف افعال الوزير “تمهيداً” لتحديد المحكمة المختصة لمحاكمته”، لافتاً الى “ان الوضع يختلف لو ان مجلس النواب استعمل تقنية لجنة التحقيق النيابية”.

اما في نتائج الكتاب، قال القاضي ماضي “قد لا يقوم مجلس النواب بالتحقيق وملاحقة الوزراء المشتبه بتورطهم، وفي هذه الحالة لا تعود ممكنة “مبدئياً” ملاحقتهم”، سائلاً “ماذا سيكون موقف المحقق العدلي إزاء الدعاوى الشخصية التي تقدم بها ورثة الضحايا، خصوصاً اذا جرى الادّعاء على وزراء”.

وختم “لا اريد ان اقرأ في كتاب المحقق العدلي “تخلياً” من القضاء عن صلاحياته”.

انطوان صفير

بدوره، اوضح الخبير القانوني انطوان صفير ان “قاضي التحقيق احال الملف إلى مجلس النواب بإعتبار ان الوزراء يُلاحقون في المسائل الجزائية امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي نصّ عليه الدستور”، مشيراً إلى “ان لا يمكن ان تكون هناك “مضبطة اتهام” تجاه وزير إلا من قبل مجلس النواب، بإعتبار ان الطلب الذي احاله قاضي التحقيق ستتم معالجته في مجلس النواب من خلال إنشاء لجنة تحقيق برلمانية”.

ولفت صفير إلى “ان على اساس ما تفضي إليه اعمال لجنة التحقيق، يُصار إلى التصويت على الموضوع (ملاحقة الوزراء) في المجلس، بأكثرية ثلثي اعضاء المجلس. وإذا كان هناك قبول من المجلس بهذه الأكثرية للإحالة امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ينعقد هذا الأخير، مع العلم ان هناك اصولا لاتّخاذه القرارات كمحكمة، خصوصا انه يضم قضاة ونوابا على السواء”.

غير ان صفير اكد “ان الأمر لن يكون سريعا لأن هناك اصولا معتمدة في هذا المجال، مع العلم ان لجنة التحقيق البرلمانية قد تستغرق وقتا”، معتبراً “ان هذه الخطوة (من جانب القاضي صوان) تسويف لأن القوانين لا تسرّع هذه المسائل وتعطي صلاحية استثنائية للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، بينما يجب الا تكون هناك صلاحيات استثنائية في جرائم من هذا النوع”، وانه “ليس متأكداً ما إذا كانت هذه الخطوة ستنتهي إلى تحديد المسؤوليات بشكل واضح”.


المركزية

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *