قوات حفظ السلام الروسية تنتشر لتأمين هدنة ناغورنو كاراباخ
بدأت قوات حفظ السلام الروسية المتوجهة إلى ناغورنو كاراباخ بالإنتشار يوم الثلاثاء (10 تشرين الثاني/ نوفمبر)، بعد ساعات من موافقة أرمينيا وأذربيجان على وقف القتال حول المنطقة الإنفصالية المتنازع عليها، في إشارة لصمود وقف إطلاق النار هذه المرة بين الأطراف المتقاتلة.

جاءت الهدنة بين الطرفين بعد التقدم الكبير الذي احرزته القوات الأذربيجانية، مما دفع زعيم ناغورنو كاراباخ المدعوم من أرمينيا للقول انه من المستحيل الإستمرار من جانبه. احتفل الأذربيجانيون بالهدنة لكنها تركت الأرمن يشعرون بالمرارة، فعمدوا إلى إقتحام المباني الحكومية طوال الليل مطالبين البرلمان بإلغاء الإتفاقية.

يخوض البَلدان منذ عقود صراعًا حول ناغورنو كاراباخ، لكن المخاوف كانت من تصاعد الأعمال العدائية بين البلدين مما قد يدفع تركيا للتورط في القتال وهي التي ألقت بثقلها في أذربيجان، بينما أرمينيا لديها بالمقابل اتفاق أمني مع روسيا.
إذا ثبت استمرار الهدنة بشكل دائم، سيكون هذا إنقلابا دبلوماسيا كبيرا يُحسب لروسيا التي على ما يبدو أنها توسطت في صفقة ناجحة حيث فشل الآخرون وكانت في وضع صعب بما أن لديها علاقات مع الجانبين. ويبدو أيضا أن تركيا إنسحبت من النزاع على الرغم من أنه لم يتضح بعد إن كانت قادرة على توسيع نفوذها من خلال تأمين دور أكبر لها في عملية السلام.
تقع ناغورنو كاراباخ داخل أذربيجان لكنها كانت تحت سيطرة قوات من العرق الأرميني مدعومة من أرمينيا منذ انتهاء الحرب الانفصالية في عام 1994. وفي أوخر أيلول/ سبتمبر، إندلع قتال عنيف -أكبر تصعيد للصراع منذ ربع قرن- وخلّف ما يزيد عن المئات، وربما الآلاف، من القتلى، بما فيهم حوالي 1,300 جندي من ناغورنو كاراباخ، وفقًا لمسؤولين، وعشرات المدنيين من الطرفين.
إنهارت، على الفور تقريبا، عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار تم الإعلان عنها خلال الأسابيع الستة الماضية، لكن الإتفاقية الحالية ما زالت قائمة على ما يبدو، ولم يبلّغ أي من الطرفين عن خروقات منذ دخولها حيز التنفيذ.
جاءت الهدنة بعد أيام من قيام أذربيجان التي إدعت العديد من المكاسب في الإقليم، بتوسيع هجومها في عمق المنطقة والسيطرة على مدينة شوشي (شوشا) بموقعها الإستراتيجي على مرتفعات تطل على عاصمة الإقليم ستيباناكيرت Stepanakert.
اعترف الزعيم الانفصالي في ناغورنو كاراباخ، أراييك هاروتيونيان Arayik Harutyunyan، يوم الثلاثاء، بأنه “لو استمرت الأعمال العدائية بنفس الوتيرة، لكنا فقدنا كل أرتساخ Artsakh (اسم أرمني لناغورنو كاراباخ) في غضون أيام”.

قال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان Nikol Pashinian إن الأمر “مؤلم للغاية بالنسبة لي شخصيًا ولشعبنا” ، واصفًا الوضع بأنه “كارثة”. لكن باشينيان قال إنه لم يكن أمامه خيار آخر وأن الجيش أبلغه بضرورة وقف القتال.

ووصف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الاتفاقية بأنها “نصر مجيد”.
وتم إعلان الاتفاق من قبل الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء، وذلك بعد عدة ساعات من إسقاط أذربيجان لطائرة هليكوبتر روسية كانت تحلق فوق أرمينيا، مما أسفر عن مقتل اثنين من أفراد طاقمها.
ويدعو الإتفاق القوات الأرمنية لتسليم بعض المناطق التي كانت تسيطر عليها خارج حدود ناغورنو كاراباخ، بما فيها منطقة لاتشين Lachin التي يمر بها الطريق الرئيسي بين ناغورنو كاراباخ وأرمينيا، المعروف بإسم ممر لاتشين، وأن يبقى مفتوحا وأن تحميه قوات حفظ السلام الروسية. كما يدعو لإنشاء صلات نقل عبر أرمينيا تربط بين أذربيجان وناختشيفان Nakhchivan الذي تحيط به أرمينيا وإيران وتركيا.

قالت وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء، إنه سيتم استخدام ما لا يقل عن 22 طائرة لنقل قوات حفظ السلام، وأن 12 طائرة قد هبطت بالفعل في أرمينيا، في طريقها إلى ناغورنو كاراباخ.

ومن المقرر نشر ما مجموعه 1960 من قوات حفظ السلام الروسية بموجب تفويض مدته خمس سنوات.
ووصف بوتين، يوم الثلاثاء، القتال في ناغورنو كاراباخ بأنه “مأساة كبيرة” وأعرب عن رضاه عن “الاتفاقات التي تم التوصل إليها لإنهاء إراقة الدماء”.
قالت يلينا بانينا Yelena Panina عضوة البرلمان في مجلس النواب الروسي، يوم الثلاثاء، أن “روسيا تمكنت من فعل ما لم يفعله (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب ولا (الرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون لإنهاء الحرب”. وأضافت: “لقد أعادت بلادنا التأكيد مرة أخرى على وضعها كضامن للسلام في جنوب القوقاز”.
رحبت إيران التي لها حدود مع كل من أرمينيا وأذربيجان بالهدنة، وكانت تشعر بالقلق من القتال بعد وقوع الإصابات وتدمير المباني في المناطق الريفية القريبة من الحدود جراء سقوط قذائف الهاون والصواريخ من حين لآخر.
وأشادت تركيا بـ”انتصار” أذربيجان. واعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي أن “هذا نجاح عظيم”. وقال: “تتم استعادة الأراضي التي كانت تحت الاحتلال لمدة 30 عامًا”.

أعلن زعماء أذربيجان وتركيا أن أنقرة ستشارك في مراقبة وقف إطلاق النار إلى جانب موسكو كجزء من مركز حفظ السلام الذي سيتم إنشاؤه لإستضافة الجيشين الروسي والتركي.
وقالت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا Maria Zakharova، يوم الثلاثاء، إن المركز سيكون في أذربيجان وليس مرتبطًا بجهود حفظ السلام المنصوص عليها في اتفاق الثلاثاء. وقالت زاخاروفا إنها “مهمة مختلفة تمامًا وجزء آخر من الجهود المشتركة”.
AP | Al-Bayrak