بين رفع العقوبات وملف الجولان: مقاربة واقعية للخيارات السورية

بين رفع العقوبات وملف الجولان: مقاربة واقعية للخيارات السورية

روبا مرعي

في ظل المعطيات الإقليمية والدولية الحالية، تبدو سوريا أمام معادلة معقّدة لا تسمح بالكثير من الخيارات. فميزان القوى القائم لا يتيح، في المدى المنظور، خوض مواجهة عسكرية أو فرض مسار تفاوضي فعّال لاستعادة الجولان المحتل، وهو واقع لم يتغيّر منذ عقود، بغضّ النظر عن تبدّل الحكومات أو الخطابات السياسية.

انطلاقًا من هذا الواقع، برز مؤخرًا نقاش واسع حول فرضية ربط رفع قانون قيصر بملف الجولان، وهو نقاش يعكس في جزء كبير منه خلطًا بين مسارين مختلفين تمامًا في الطبيعة والأدوات. فالجولان ملف سيادي استراتيجي يُدار ضمن توازنات دولية معقّدة، بينما قانون قيصر هو أداة ضغط اقتصادية استهدفت البنية المالية والإنتاجية السورية بشكل مباشر.

سياسيًا، لا تمتلك أي سلطة سورية، سابقة أو حالية، القدرة الواقعية على استعادة الجولان، سواء عبر الخيار العسكري أو من خلال تفاوض مدعوم بتوازن قوى ملائم. وعليه، فإن توصيف رفع العقوبات على أنه تنازل عن ورقة سيادية غير موجودة أصلًا لا يستند إلى معطيات فعلية، بل إلى قراءة رمزية لا تعكس حقيقة المشهد السياسي.

اقتصاديًا، كان لقانون قيصر أثر بالغ على حياة السوريين اليومية. فقد أدى إلى تعطّل قطاعات واسعة من الإنتاج الصناعي، وقيّد الاستيراد والتحويلات المالية، وأسهم في تفاقم التضخم وتراجع قيمة العملة الوطنية، إضافة إلى انعكاساته المباشرة على القطاع الصحي وسلاسل الإمداد. في المقابل، لم يُثبت القانون فاعليته في إحداث تغيير سياسي ملموس، ما يؤكد أن كلفته الكبرى كانت اجتماعية واقتصادية أكثر منها سياسية.

في هذا الإطار، فإن رفع العقوبات لا يُمكن اعتباره إنجازًا سياديًا بقدر ما هو إجراء تخفيف ضغط اقتصادي يتيح إعادة تحريك جزئية للاقتصاد المحلي، ويمنح المجتمع هامشًا محدودًا من الاستقرار المعيشي، في مرحلة تُعد من الأصعب في التاريخ الاقتصادي السوري الحديث.

أما ملف الجولان، فيبقى قضية طويلة الأمد، مرتبطة بتحولات إقليمية ودولية عميقة، وليس بقرارات ظرفية أو تفاوض اقتصادي قصير المدى. التعامل مع هذا الملف يتطلب شروطًا سياسية ودبلوماسية واقتصادية غير متوافرة حاليًا، ما يجعل تأجيله واقعًا مفروضًا لا خيارًا سياسيًا طوعيًا.

خلاصة القول إن المقاربة الأكثر واقعية تقتضي الفصل بين مسارين مختلفين:
مسار اقتصادي معيشي يتصل مباشرة بحياة المواطنين ويتمثل بالعقوبات، ومسار سيادي استراتيجي مؤجل يتمثل بالجولان. إن الخلط بين هذين المسارين لا يخدم أي هدف عملي، فيما يبقى التحدي الحقيقي في إدارة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بأقل كلفة ممكنة، بانتظار تبدّل أوسع في موازين القوى الإقليمية والدولية.

Spread the love

MSK