فضل الله جدد دعوته للبنانيين لأخذ موقف موحد لإسناد الدولة والتنبه لمخاطر وتداعيات ما يجري حولهم من أحداث وصراعات
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما كان يدعو به الإمام زين العابدين (ع) ربَّه والّذي دعانا إليه، عندما كان يقول: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْهُ، وَمِنْ مَعْرُوفٍ أُسْدِيَ إِلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ، وَمِنْ مُسِيءٍ اعْتَذَرَ إِلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ، وَمِنْ ذِي فَاقَةٍ سَأَلَنِي فَلَمْ أُوثِرْهُ، وَمِنْ حَقِّ ذِي حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِنٍ فَلَمْ أُوَفِّرْهُ، وَمِنْ عَيْبِ مُؤْمِنٍ ظَهَرَ لِي فَلَمْ أَسْتُرْهُ”.
والّذي من خلاله أراد الإمام (ع) أن يبيّن لنا أن لا نكتفي بتوبتنا إلى الله عزّ وجلّ واعتذارنا منه على ذنوب ارتكبناها بل أيضًا على تقصيرنا تجاه عباده عندما لم ننصر مظلومًا كنا قادرين على نصرته أو نشكر معروفًا أسدي إلينا، أو عندما لا نسدّ حاجة من احتاج إلينا، أو لا نقبل اعتذار من جاء معتذرًا منّا، أو نقصِّر بحقوق من لهم حقّ علينا حتّى نعذر إلى الله عزّ وجلّ ونكون أقرب إليه وبالتّالي أكثر قدرة على مواجهة التحدّيات.
وقال :”والبداية من العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والذي بتنا نشهده يوميا والذي تزداد وتيرته ونخشى أن يتضاعف في إطار الضغوط التي تمارس على لبنان لدفعه إلى الأخذ بالخيارات التي يريدها هذا العدو والتي تأتي متناغمة مع الرد الأميركي الذي يدعو الدولة إلى جدولة زمنية لسحب السلاح من جنوب النهر وشماله… من دون أن يقدم أي ضمانات تفي بالطلب اللبناني له بالضغط على الكيان الصهيوني لإيقاف اعتداءاته والمس بالسيادة اللبنانية.
أضاف :”إننا أمام ما يجري نعيد التأكيد على ما قلناه سابقا بدعوة الدولة اللبنانية إلى الثبات على موقفها بأن تكون الأولوية لديها هو التزام العدو بوقف إطلاق النار ووقف اعتداءاته على لبنان… وبعدها يمكن التفاهم لمعالجة القضايا المطروحة على لبنان على أن تأخذ في الاعتبار هواجس اللبنانيين ومخاوفهم من هذا العدو وعدم الاكتفاء بتبني هواجس، كما يريد البعض.
في الوقت نفسه نعيد دعوة اللبنانيين إلى موقف موحد لإسناد الدولة في موقفها هذا وأن لا يسمحوا لهذا العدو الاستفادة من أي خلافات للنفاذ من خلالها لتحقيق أهدافه، ونحن في ذلك وإن كنا على علم بمدى القدرات الّتي يمتلكها هذا العدو والتّغطية الكبيرة التي توفرها له أميركا والغرب… ولكن هذا لا يدعونا إلى التسليم بشروطه في وطن نحن معنيون بالحفاظ عليه وابقائه حرا ومصانا كما حافظ عليه آباؤنا وأجدادنا وبذلوا في سبيله أغلى ما يملكون”.
وشدد العلامة فضل الله، إن على اللبنانيين وفي هذه المرحلة الخطيرة أن يأخذوا في الحسبان ما يجري حولهم من أحداث وصراعات خطيرة، يمكن أن تنعكس على وطنهم بتداعياتها… والمخاطر التي تترتب على بلدهم إن هم بقوا على انقسامهم ولم تتضافر جهودهم وتتوحد لمواجهتها”.
وتوقف عند ما يحدث في سوريا “مما شهدناه ولا نزال، من مواجهات خطيرة، نجم عنها المزيد من نزيف الدم والدمار والذي أشار بكل وضوح أن من يدير شؤون هذا البلد لم يقم بالدور المطلوب منه في احتضان مختلف المكونات الموجودة فيه واقناعها بأنه حريص على حمايته لهم وأنه سيكون لكل أبنائه، ما أدى إلى ما شهدناه من اقتتال أهلي عمق من الانقسام الوطني والتشظي والذي نخشى أكثر ما نخشاه إلى أن يصل إلى حالة من التقسيم الفعلي، ما أفسح في المجال للعدو الصهيوني بالتدخل الذي كان يسعى إليه والذي عنونه بحماية الأقليات ومن الواضح أنه لم يرد منه حمايتهم، بل تعزيز وجوده في هذا البلد وتأكيد سيطرته، وضرب أي مواقع للقوة المتبقية فيه… وهو ما أظهره حجم العدوان الّذي تجاوز حدود ما يدعيه من حماية لطائفة الموحدين الدروز اليوم إلى تحقيق أطماعه في قضم المزيد من الأرض السورية”.
وتابع :”إننا أمام ما يجري ومن باب حرصنا على هذا البلد ووحدته واستقراره نعيد دعوة من يديرونه إلى مراجعة سياستهم في التعامل مع مكوناته بحيث لا تشعر معه طائفة أو فريق بالغبن والإقصاء والتهديد لوجودها وأن تأخذ في الاعتبار هواجسهم ومخاوفهم وخصوصياتهم.
ونحن في الوقت نفسه، ندعو كل مكونات الشعب السوري إلى أن يعوا جيدا ما يخطط له هذا العدو وأن لا خيار لهم إلا بتكاتفهم وتوحيد جهودهم للوصول إلى بناء دولة قوية قادرة على حماية مواطنيها ومواجهة من يهددهم، وألا يكونوا وقودا لمشاريع العدو التقسيمية والتي يجب أن لا تخفى على أي متابع لتاريخ هذا العدو التوسعي والعنصري ومن يريد الإطباق على المنطقة كلها”.
وأردف فضل الله :”فيما ندعو اللبنانيين إلى أن لا يسمحوا لما حدث في سوريا أن يترك تداعياته على علاقاتهم بالسوريين في هذا البلد أو يؤجج الخلافات بين المكونات الداخلية أو يخلوا بأمنه، بل أن يأخذوا مما حدث عبرة لتعزيز قوتهم ومنعتهم ووحدتهم”.
وتوقف فضل الله “عند مشاهد المجازر المروعة التي باتت الخبز اليومي لأهالي غزة والتي تستكمل في الضفة الغربية والتي لم توفر أولئك الذين يقفون ليحصلوا على الماء والطعام في ظل الحصار المطبق عليهم”.
وختم:” إننا أمام ما يجري نتطلع باعتزاز إلى الشعب الفلسطيني الذي يقدم كل يوم دروسا في الصمود والثبات وفي مواجهة العدو الصهيوني رغم كل ما يعاني منه.فيما نأمل أن تفضي الجهود التي تجري إلى التوصل لوقف لإطلاق النار ينهي معاناة هذا الشعب وينفض عنه كل هذا الركام من المجازر التي لا نعرف شعبا عانى مثلها ورغم ذلك استطاع أن يبقى في قيد الحياة بكرامته وعزته وإرادته التي لا تموت”.