دار فتوى طرابلس بين نار الواقع ومسار الوقائع

بقلم محمد الحسن

كلما قلنا بدور ما نريده من دار فتوى طرابلس   واستحضرنا مثلا عملا أو موقفا لمساحة مفتي طرابلس الراحل الشيخ طه الصابونجي أو سلوكا لسماحة المفتي مالك الشعار ، سارع اهل الشورى ومن يدعي الدور في الدار الى القول أن الأمور مختلفة وأن العقول متغايرة وأن السير بين الناس تختلف أيضا. 

وكنا في كل مرة نوحي بما يختلجنا لاننا نرى في مقام الدار مسارا كبيرا اكبر من قدرة أو قدر الأشخاص كيفما وايما كانت ادوارهم أو مسؤولياتهم .

واسرد هنا ما يمكن لسماحة المفتي الشعار أن يصوب به كلامي ، فعندما تولى مهمة الافتاء ، التقينا وكان البعض يهمس له  أننا نميل  لمسيرة المفتي الصابونجي فحاذر الرجل في بعض سلوك حتى التقينا في مصارحة قلت فيها ان المقام هو الفصل لا القيمة الذاتية للشخص وعرجت على دور مفتي الجمهورية وقتها  الشيخ محمد رشيد قباني وما يحصل من خلافات معه وقد  شددت وقتها أن المقام هو الذي يحكم وهو الفصل بين اهل الرأي وقتها وبينه ، وانه عليه أي المفتي قباني أن يراعي ذلك الموقف  ويستدرك الحد الفاصل بين القيمة والمقام وبين الشخص والدار وبين الهمة والمهمة ، وقد اتفق معي المفتي الشعار حتى ادركنا معا أن مهمته هي في جوهرها الحراسة ، أي ان المفتي في مهمته أن يكون حارسا للدار يهتم لشان ما يرد إليها وما يصدر عنها وما يحصل فبها والفارق البسيط انه في مهمته يعول على مسؤوليته وعلى سلوكه في ضبط المهمة والرقي بالمهام والرفع بالمقام.

ولا احسبني هنا اقيم دور المفتي الشعار لا منظما للوقف ولا حارسا عليه ولا مستعيدا لما تاه من عقاراته ، بل أنني اقول ان التاريخ سيحسم الأمر بيننا جميعا ويعطي لكل حقه   ومن يغفل عن التاريخ يكاد يخرج عن واقعه وعقلانيته. 

اليوم

تكاد الأمة،  بل يكاد اللبنانييون يفقدون الثقة بالدولة ومؤسساتها وخاصة مع هذا التمادي في انحلال هذه الدولة وتفكك اواصرها وتحولها الى جاب عنيد قاس لا حيل له إلا على الناس ، ومنهم من أعلن صراحة عندما توجه الى بكركي مبايعا البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي وبعض الحشد كان من اهل السنة أن الدولة غابت وأن قيمة الفرد سقطت ، قال هؤلاء أن الأمر يكاد يوسد الى المرجعيات الدينية ، وانتقلت بعد مغادرة الرئيس سعد الحريري الانظار الى دار الفتوى ، ولا اقول هنا ان أداء النجيب ‘رئيس الحكومة نجيب ميقاتي’ غير مفيد فيعرف الجميع أنني اقدر له عمله وجهوده،  ولكن الحقيقة تقول أن دار الفتوى تحت الانظار ويريد منها الناس ما يفوق في بعض الوقت قدرتها في التوقيت الرديء ، وفي طرابلس طالبت الأصوات بدور أكثر قوة للدار ، ولكن حصل ان انبرى المدافعون عن المفتي محمد طارق إمام للدفاع عنه بما لا يتفق مع الحاجة ، فقالوا بوداعته واخلاقه وهدوئه ووقاره ودينه وتقواه وكأنهم يقولون بأنه لهذه الصفات لا يقدر أن يواجه الصعوبات وما يتطلبه منه التوقيت وواقع الدار .

وهكذا مضت ولايته الأولى بين قول بصفته ودفاع بما لا يقوم عليه قائم  ، ودخل الرجل الولاية الثانية متسلحا بتجربة الظاهر منها أكثر من المعلن ، وحصل أن شارك بعد انتخابه بأكثر من شأن فانبرى من تغطى بعباءته وسعى من سعى ليحظى بحظوة منه ودعم علني ، واقول هنا لقد اظهروه بمظهر المختلف مع ما أعلن من حياد، وما ضره، ذلك الا انه عليه الإفادة منه ، فلا يترك للناس في اي استحقاق أن ترتدي رداءه أو تتستر بستاره . والحقيقة هنا انه اي المفتي امام اجاد ادارة جانب مهم من الاستحقاق وكسب فيه ولم يخسر .

واليوم وبعد الدخول في معترك التوقيت الأكثر دقة ، اذا بالمطلوب من مفتي طرابلس يتجاوز ما يمكننا ان نقوله علنا ولكن المسار الظاهر للناس يحتاج الى شكل القوة ومضمون السداد ومسار الصلاح. 

فثمة دار في مهماتها تحتاج الى نهضة   وثمة مهمة تحتاج لمن يحسن الحديث عنها ،وثمة علاقات ينبغي التنبه للتباينات التي قد تحصل في خلال ادائها ، فلا يتقدم شأن على شأن ، ولا مسار على مسار،  ولا تعطل كثرة المهام متطلبات المسؤوليات ، ولا تحجب ملفات أهمية ملفات ، ولا يسكت صوت صوتا  ولا يسقط أمر أمرا. 

كما ان الدار ليست لوجاهة المحيطين بها ، ولا للساعين الى أدوار تحت لوائها   ، فمن اراد الشهرة أو المظهر لا يمكن للدار أن تاويه أو تغطيه ، ومن سعى في مسعى خاص به لا سعة للدار له .

ثم ان المسؤولية الطرابلسية هي بين الحاجة والاحتياجات على كثرتها  ،  ومتطلبات المدينة هي أكثر بكثير مما يقوم به البعض هنا وهناك ، فلا خطة وضعت ولا مسارا انتهج ولا مسيرة انطلقت،  فلا دور للدار اذا قدم أمرا واسقط أمرا   فعندها ستسقط مهمة الرعاة وتتبدد طموحات الرعية .

ولعلي اقول هنا ان ثمة ما يسقط من الحسابات وهي أمور هامة وحاجات في هذا التوقيت الملحة ، وان زحمة المساعدين مع قلة الإنتاج العام المفيد ضارة غير نافعة، وكثرة الابواق وكثرة المتزلفين وكثرة المتذاكين من دون فائدة حسرة  ، وانه لمن دواعي الحزن أن ينجح أشخاص حول المقيم ويتراجع المقام .

فلتنتبه العقول الواعية الى ما قد تنتجه الهمم غير الفاعلة أو ترسمه لنفسها الغايات البسيطة المسكينة  ، فالدار ليست لتجارب غير متوازنة أو غير متزنة .

فلطرابلس كل طرابلس حق وحقوق على الدار  ، ولباقي الشمال من البترون الى الضنية ما لطرابلس   وأكثر ، فلا يشعرن بغربة مقيم ولا أصيل. 

ثم ان المساجد في هجرة بين المواقيت موصدة، وبعضها هرم واخر مترهل لا خدمات فيها .

كما ان السياسة في المهمة والعبرة في الهمة وفي الخطاب وفي تقنيات التوجه إلى العامة قبل الخاصة. 

وكل الأمور في ميزان وما قلنا جزء مما يجب أن يقال .

واخيرا 

لا ليس واقعا مؤاتيا القول بأن الأسماء التي مرت ترهق الحاضر أو تثقل كاهله  ، بل هي قدر مليء ينهل من يشاء ما شاء لنفسه أن ينهل فلا  يتخذن البعض من ذلك حيلة أو سببا أو مسببا لتطويق الدار وسيدها وخدامها .

أن الدار مقام والمقيم فيها عابر والفصل فيها لعمل يرقى ويرتقي.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *