شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – القاضي ان ينكر الجميل

على حدّ علمنا ليس من بلد في العالم كله، أقدم فيه القضاء على الانتحار، كما هي الحال في لبنان. نحن من الذين ذهبوا، في مقالات عديدة، الى مطالبة القضاء بالانتفاض على المافيات التي تتحكم ظلماً برقاب الناس. وكان في اعتقادنا أن المطلوب من القضاة النزيهين، الموجودين فعلاً في هذه السلطة المفترض فيها النبل والشفافية والنزاهة، أنهم لن يصلوا الى مبادرة خلّاقة   كتلك التي حققها نظراؤهم في إيطاليا، ذات زمن، ولكن أن يعتمدوا، أقله، عدم الإذعان الى أوامر وتعليمات ونفوذ  مافيات السلطتين الأخريين، أي التنفيذية والتشريعية، وأيضاً عدم الخوف من المافيات والعصابات، التي تمتص دماء الناس وتضيّق عليهم خناق العيش وتفرض مشيئة اللاعدالة… صحيح أن أحداً لم يبلغ به التفاؤل ولا حتى الوهم إن نرى مشهداً رائعاً كذلك الذي رسمه، بدمائهم أحياناً، قضاة إيطاليون. ولكن، في المقابل، لم يبلغ بنا التشاؤم حدود هذه الصورة البشعة جداً التي شهدتها أروقة قصر العدل، والتي ختمت بالشمع الأحمر باب الأمل بقيام دولة القانون وجوهرة تاجها قضاء يشرف لبنان.

أما والحديث عن الشرف فكم كان حافظاً كرامة القضاة لو أقبل كبارهم على استقالة شبه إجماعية، لوضع بقايا هذه السلطة العرجاء ودولتها العميقة، الفاجرة، الفاسدة أمام الحقيقة الصارخة.

مؤلم المشهد القضائي، ومحزن هو، وخصوصاً هو مخيّب لآمال وطموحات الأجيال الصاعدة التي ازداد الأفق انسدادا في وجوهها، وراكم فيها اليأس والإحباط. وكأنه كان ينقصنا هذا الفصل الجديد من الانهيار…

لا يا سادة القضاء! ما هكذا كان اللبنانيون يأملون منكم وينتظرون… وليس ما يبرر فعلتكم الشنعاء التي ربما يبررها البعض بالمقولة الشهيرة: «هؤلاء القضاة عينهم السياسيون في مواقعهم فماذا يُنتَظر منهم؟». لا! فنحن نرى أن هذا القول ساقط أساساً. فجميع القضاة في العالم يعينهم السياسيون والمسؤولون، ولكنهم لا ينسون الدرس الأول الذي يحفظونه في معهد القضاة، والذي هو ببساطة فذّة: «إن أول ما يجب أن تحفظوه وتمارسوه هو نكران الجميل لمن عيّنكم في مواقعكم… ونكران الجميل هنا لا يعني الجحود، إنما عدم الخضوع لإرادة صاحب قرار التعيين، خصوصاً إذا كان على القاضي أن يفاضل بين مَن عيّنه في موقعه وبين الحق.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *