شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – التفاهم اللامتوازن

قد يكون النائب جبران باسيل أدرك (ربما متأخراً جداً) أن حزب الله ليس فاتحاً جمعية خيرية، إنما هو حزب ديني عقائدي وفي الوقت ذاته صاحب مصالح متعددة الخطوط والأذرع الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، وبالتالي فهو يقدم المصالح تلك على أي اعتبار مبدئي. والضربة الأخيرة الموجعة التي وجهها الحزب إلى رئيس التيار الوطني الحر في مسألة اجتماع الحكومة، أمس (بمنأى عن الدخول في الجدال الدستوري أو الميثاقي أو العرفي أو «الضروري والملحّ»…) ليس إلا مثالاً واحداً على عشرات الأمثلة التي تواترت منذ «تفاهم كنيسة مار مخايل» قبل نحو ستة عشر سنة اعتبر الحزب خلالها، وخصوصاً بعد وصول الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، أنه لا بد من «تدفيع» الحليف العوني أثماناً كبيرة كانت باهظة جداً لدرجة أن التيار الوطني لم يبقَ له حليف في الداخل ولا صديق فاعل في الخارج بسبب مواقفه الداعمة للحزبَ، من مؤتمرات جامعة الدول العربية، إلى الأمم المتحدة، فاللقاءات الثنائية مع مسؤولين عرب وأجانب، إلى هجمة جبران بالحشد الإعلامي على المكان الذي زعم العدو الإسرائيلي أنه مستودع لصواريخ الحزب على كتف العاصمة.

إلا أن الثمن الأكبر الذي دفعه الجنرال وباسيل هو التراجع الكبير في الشعبية الجماهيرية من 73 في المئة إلى الأرقام الحالية…

وهذا كله بسبب المبالغة في التماهي مع الحزب الذي تعامل بواقعية وبرودة وتمرير بين وقت وآخر فقرة مختصرة أو اثنتين تتضمنان تنويهاً بـ»جبل بعبدا»… أما عندما «تحز المحزوزية» خصوصاً بين الرئيس ميشال عون والتيار من جهة وبين أي طرف آخر فلم يكن الحزب يدعمهما إلا إذا كانا على خلاف أو صدام مع سمير جعجع والقوات اللبنانية… وعندما اعترض قياديون في التيار على هذا «التفاهم اللامتوازن» كانوا يتعرضون إلى القمع وربما إلى الطرد.

إن مشكلة جبران باسيل الحقيقية ليست مع الرئيس نجيب ميقاتي، ولا هي مع أي طرف آخر، إذ هي مع تفاهم غالى في تمجيده، بينما تعامل معه الحزب بواقعية سياسية صارخة.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *