الحرب الروسية على أوكرانيا أنقذت الترسيم في لبنان…

كتب عوني الكعكي:

مصائب قوم عند قوم فوائد… هذا ما ينطبق على ما حصل مع لبنان بالنسبة لترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي.. صحيح ان موضوع الترسيم بدأ في تشرين الأول عام 2020، والصحيح أيضاً ان الرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني تولّى شخصياً العمل على إنجاز هذا الملف مع السفير الاميركي فريدريك هوف والذي حدّد الحدود بما يسمّى بـ»خط هوف»…

والصحيح أيضاً ان الرئيس بري هو الذي حضّر لهذا الإنجاز باعتماد خط 23.. وبعد كل هذا وبما انه رجل المؤسّسات.. أرسل هذا الملف الى القصر الجمهوري باحتفال في قصر عين التينة معلناً انه قام بواجبه على أكمل وجه ولم يتبقّ لإنهاء الموضوع إلاّ اللمسات الأخيرة.

بالعودة الى تاريخ العلاقات بين العرب وبين إسرائيل، نرى ان الدولة الوحيدة التي استطاعت استرجاع كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل هي مصر… وهذا بالفعل يعود الى رؤية عند الرئيس أنور السادات. ونقول اليوم إنّ ذاك الرجل ظُلم وأثبتت الأحداث انه كان رجلاً وطنياً عكس كل ما كُتب عنه واتهم بأنه خائن، لأنه خان الأمة العربية وخان العروبة. في الحقيقة كان ذلك الرجل صاحب رؤية بعيدة النظر، إذ عرف كيف يتعامل مع العدو الاسرائيلي… وبالفعل فإنّ إسرائيل لا تريد أي اتفاق سلام مع العرب… لأنّ السلام بالنسبة إليها هو نهاية دولتها، خاصة وأنّ التركيبة السكانية في اسرائيل متناقضة تجمع تناقضات المجتمع كله بين الغني والفقير، بين الاميركي والأوروبي والافريقي، وهكذا نرى أنّ في اسرائيل فروقات بارزة في المجتمع، ولو حلّ السلام فإنّ إسرائيل لا تحتاج الى وقت طويل ليتفكك مجتمعها، وتظهر التناقضات بين مواطنيها فتبدأ الحروب بين أبناء الدين الواحد المتعدّد الولاءات.

من ناحية ثانية، وبالعودة الى البطولات التي سوف يدّعيها الكثيرون الكثيرون من الذين يزعمون انهم هم الذين أجبروا اسرائيل على توقيع معاهدة، أو اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.. نسألهم بكل صراحة: لماذا عمدت إيران ومنذ اللحظة الأولى لتسلم نظام الملالي الحكم فيها، الى إنشاء ما يسمّى بـ»فيلق القدس»، فترأس اللواء قاسم سليماني هذا الفيلق وهو من الحرس الثوري على أساس أنّ مهمة هذا الفيلق هي استرجاع القدس؟ من هنا نجدّد السؤال: ماذا فعل نظام الملالي وعلى رأسهم آية الله الخامنئي، وماذا فعل هذا الفيلق في قضية تحرير القدس خاصة وأنّ هذا الفيلق أصبح على الحدود مع اسرائيل بدءاً من لبنان وحتى سوريا؟

بمعنى أدق لو كان هذا الفيلق يريد استرجاع القدس بالفعل كما يدّعي نظام الملالي في إيران، فلماذا لم يطلق طلقة واحدة نحو اسرائيل؟ ولا حتى لم يوجّه صاروخاً واحداً نحوها، ولا حتى أرسل مسيّرة واحدة ضد الدولة العدوّة؟ بينما هذا الفيلق حقق أكبر إنجاز في تخريب دولة العراق التي تحوّلت بفضله من أغنى دولة في العالم، الى أفقر دولة.

وماذا فعلوا في سوريا بحجة الدفاع عن الأماكن المقدّسة، فقتلوا مليوناً وخمسماية ألف مواطن سوري، وهجّروا نصْف الشعب السوري، أي حوالى اثني عشر مليوناً ونصف المليون سوري. وها هي سوريا تحتاج اليوم الى 1000 مليار دولار على الأقل لتعود كما تركها الرئيس المغفور له حافظ الأسد عام 2000، أي منذ 22 سنة.

أما الطامّة الكبرى فكان لبنان… لبنان الذي كان سويسرا ال شرق الأوسط، لبنان الجمال والعِلم والطبيعة، لبنان مستشفى العالم العربي، لبنان أهم بلد سياحي في العالم لأهلنا في الخليج والمملكة العربية السعودية، لبنان الذي كان يخزّن أموال العالم العربي خوفاً من الأنظمة العربية، لبنان استطاع بحكمة وفكر حاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامة أن تصل الودائع في البنوك من 4 مليارات دولار عام 1993 الى 200 ملياراً، كما هي الحال في المملكة العربية السعودية. كل هذا لأنّ الذين يدّعون انهم يريدون تحرير لبنان هم الذين تسبّبوا بما وصل إليه لبنان، طبعاً بتعيينهم صاحب القول -عندما سألوه-: الى أين نحن ذاهبون؟ فقال: الى جهنم. وهذا يختصر كل شيء.

وأعود الى موضوع الترسيم لأقول: لقد تمّ الترسيم على خير… بفضل جهود دولة الرئيس نبيه بري كما أشرت، وعند التوقيع كَثُر المدّعون بأنهم هم الذين حققوا هذا «النصر المبين»… وغفلوا أو تغافلوا -ربما- عن أصحاب الفضل في إنجاز المهمة… كل هذا ولا أنسى حدثاً عالمياً سرّع عملية الترسيم هذه باعتراف الجميع.. إنه الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي تسبّبت بتفاقم أزمة الاقتصاد العالمي وبخاصة «النفط والغاز».

إنّ بداية حرب روسيا على أوكرانيا والتي بدأت في شهر شباط عام 2022 ألقت بحملها على المجالات والقطاعات كافة في العالم… فهي دفعت بمنظمة التجارة العالمية الى أن تخفّض توقعاتها للنمو بمقدار النصف تقريباً لهذا العام من 4.7٪ الى 2.5٪.

والأهم من ذلك كله، ان روسيا ثالث أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم وضعت شروطاً لبيع نفطها بعملتها الوطنية وحجبته عن الغرب الأوروبي، ما أحدث صدمة طاقة كاملة مع ارتفاع الأسعار بشكل دراماتيكي… علماً بأنّ ارتفاع أسعار الطاقة يؤدّي حتماً الى ارتفاع كلفة إنتاج الغذاء.

من هنا أصرّت الولايات المتحدة، رغبة منها في نفط وغاز الكيان الاسرائيلي ولبنان على إنجاح وإنقاذ اتفاقية الترسيم وإيصالها الى النهاية السعيدة.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *