سوريا في أحلك أيامها ولا أمل في الأفق


منذ خروج أعداد كبيرة من السوريين، قبل عشر سنوات، في مظاهرات سلمية مطالبة بالخبز والحرية، انزلقت البلاد إلى هاوية صراع مسلح متعدد الجوانب، وبات النزاع معقدا، خاصة مع تدخل أطراف دولية إلى جانب جماعات مسلحة وتنظيمات متشددة.

في تقرير للباحثة والصحفية السورية لينا سنجاب، نشره المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، تقول سنجاب إنه عندما كتب الباحث والصحفي البريطاني آلان جورج كتابه الذي حمل عنوان “سوريا: لا خبز ولا حرية”، عقب وفاة الرئيس حافظ الأسد عام 2003، لم يكن يدرك، حينها، بأن هذا العنوان سيلخّص تماما الوضع في سوريا 2021.

فبعد عشر سنوات من بدء الإنتفاضة السلمية المطالبة بالحرية والعدالة الإجتماعية، أصبح الوضع في البلاد أسوأ من أي وقت مضى، بينما لا يعيره العالم أي اهتمام. وتضيف الباحثة أن السوريين يعانون، اليوم، للحصول على حصصهم من الخبز. فبات على الشخص الإنتظار في طابور لثماني ساعات، في المتوسط، للحصول على حصة الخبز اليومية، وحوالي 48 ساعة لملء السيارة بالوقود.

وتقول: “عندما زرتُ دمشق، التي تسيطر عليها الحكومة في أواخر عام 2020، كانت الجملة التي سمعتها، مرارًا، هي: هذا هو أسوأ عام واجهناه منذ بدء الانتفاضة”.

“الإذلال” للحصول على الطعام

تشتكي الطبقة الوسطى، التي تشهد تراجعًا، من أنه “خلال القصف، لم نشعر بالإذلال للحصول على الطعام”. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تركت الحرب ما يقرب من 90 بالمئة من السكان تحت خط الفقر.

ومنذ عام 2011، انهارت قيمة الليرة السورية بشكل كبير، حيث يعادل الدولار الواحد ما يصل إلى أربعة آلاف ليرة في السوق السوداء اليوم، مقارنة بـ50 ليرة في عام 2011، ما يعني أن متوسط راتب الموظف الحكومي السوري يكفي لشراء كيلوغرام واحد فقط من اللحم. ومن ثمّ، همّ معظم السوريين بات شراء الضروريات فقط، فحتى الأساسيات أصبحت بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين.

وبالطبع، يحدث كل هذا على خلفية جائحة فيروس كورونا. وصحيح أن تلك الجائحة أثرت على الإقتصادات في أنحاء العالم، إلا أنها في سوريا حوّلت الوضع من سيء إلى كارثي.

و تضيف سنجاب أنه، في دمشق، نادرًا ما يرتدي أحد كمامة واقية، وهذا نتاج مزيج من إرهاق الحرب والشعور بالعجز. ويكافح الأشخاص للحصول على ما يكفي من طعام للبقاء على قيد الحياة، دون الإهتمام كثيرًا بالفيروس. وأصبحت شائعة مشاهد الأشخاص الذين يبحثون عن ما يتم الإستغناء عنه في أسواق الخضار أو يبحثون في صناديق القمامة عن شيء يمكنه سد رمقهم.

كل شيء بات أسوأ

تقول سنجاب أن كل شيء ثار عليه السوريون عام 2011 أصبح أسوأ بكثير، فالإقتصاد في حالة إنهيار، و”تحوّل حكم الحزب الواحد إلى حكم على غرار المافيا مع العديد من الفصائل المختلفة… وفي الماضي، كان الأشخاص يقولون أن لكل سوري مسؤول أمن يتولى حمايته، لكن الآن لكل سوري أيضا شخص يسرق خبزه وكرامته وحياته”.

وتوضح أنه “حتى الموالين للنظام الذين يتجرؤون على الشكوى من الأوضاع الجارية، يتم عقابهم والزج بهم في السجن”، وأشارت إلى أنه خلال الأسابيع القلائل الماضية، تم إعتقال 150 شخصا على الأقل من الموالين.

ويعتبر النظام السوري نفسه “منتصرًا” في الحرب، ويتفق معه بعض المراقبين الخارجيين. وهو أمر من الصعب تصوره في رأي سنحاب التي تصف “انتصار” الرئيس بشار الأسد بأنه “ليس أكثر من كون النظام يحكم على حطام سورية”.

وتشير سنجاب إلى الحكومة السورية تقول أنها ترغب في إستعادة السيادة على البلاد، لكن واقع الأمر أن سوريا بلد منقسم، حيث يتم تقاسم النفوذ فيه بين النظام والولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، وكذلك الجماعات الكردية والإسلامية. وكل طرف من تلك الأطراف يسيطر على جزء من البلاد، ومن ثم يتحكمون في مصير السوريين الذين لا رأي لهم في حاضرهم أو مستقبلهم.

تضيف سنجاب أن “النظام الذي يعاني من ضائقة مالية يحاول الآن إنتزاع ما يستطيع الحصول عليه من مواطنيه، حتى أولئك الذين فرّوا من البلاد. فكل سوري يجب أن يدفع 100 دولار نقدًا لدى دخوله البلاد، وأي شخص لم يخدم في الجيش أو لا يرغب في ذلك، عليه أن يدفع تعويضا يصل إلى سبعة آلاف دولار ليتم إعفاؤه من الخدمة”.

في الحالات التي لا يرغب فيها السوريون في الخارج في العودة ويرفضون الدفع أو لا يستطيعون ذلك، تصادر السلطات السورية أي ممتلكات تخص عائلاتهم داخل سوريا وأي وثائق قانونية قد يحتاجونها، مثل جوازات السفر، إلى أن يتم السداد، مما يضيف إلى المعاناة الهائلة بالفعل لتسعة ملايين نازح سوري في الداخل وستة ملايين فروا ولجأوا إلى جميع أنحاء العالم.

لا أمل في الأفق

تقول الباحثة والصحفية السورية لينا سنجاب إنه وسط هذا الشهد الظلامي، لا توجد بارقة ضوء في نهاية النفق، حيث لا يوجد أمل لخلاص سوري من الداخل، كما لا توجد إرادة دولية لإيجاد حل أو حتى قوة لتنفيذ القرارات التي وافقت عليها الأمم المتحدة

إن الوضع الإقليمي قد تغير أيضًا. ويعني التقارب بين إسرائيل ودول الخليج، من بين قضايا إقليمية أخرى، أن سوريا أصبحت، الآن، أقل أولوية بالنسبة للجهات الفاعلة الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية.

والعالم مشغول أيضًا بمشاكله الخاصة. ومن المرجح أن تركز الإدارة الأمريكية الجديدة، على سبيل المثال، بشكل أكبر على الشؤون الداخلية والأولويات الأخرى في الشرق الأوسط، مثل إيران.

وبينما يكافح العالم الآثار الإجتماعية والإقتصادية لفيروس كورونا، يستعد الرئيس بشار الأسد للترشح لولاية رئاسية ثالثة تبقيه في السلطة لمدة سبع سنوات أخرى.

وتختتم سنجاب تقريرها بالقول إن هناك جيل من الأطفال ولدوا خلال الحرب، بعضهم ولد في سوريا والبعض الآخر في أوروبا وفي مخيمات اللاجئين. وما لم يكن هناك إلتزام دولي متجدد، فإن التغيير الحقيقي في سوريا قد لا يحدث وهو على قيد الحياة.


DPA

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *