السنيورة: الحريري يقوم بزياراته العربية والدولية لتأمين المساعدة في تأليف الحكومة


أكّد الرئيس فؤاد السنيورة، في حديث إلى قناة “الجزيرة”، أنّ “لبنان يعاني من إنهيار شديد وكبير في الثقة لدى اللبنانيين بالحكومات المتعاقبة وبرئيس الجمهورية، وكذلك بالمنظومة السياسية. ويشاركهم، في قلقهم من هذا الإنهيار، المجتمعان العربي والدولي بنتيجة التجارب غير الناجحة التي تراكمت لديهما، والتي أدّت بمجملها إلى هذا الإنهيار في الثقة”.

وقال: “لقد إنعكس هذا الإنهيار وكان عاملًا مؤثّرًا في التسبب بهذا الإنهيار الإقتصادي والمالي والذي أدّى إلى إنهيار نقدي، وبالتالي، إلى خسارة الليرة اللبنانية لجزء كبير من قيمتها بحيث أصبحت تساوي أقل من 20% ممّا كانت عليه في مطلع شهر تشرين الأوّل من العام 2019. وهذا الأمر إنعكس بدوره على الأوضاع المعيشية لدى اللبنانيين”.

أضاف: “لقد مرّ، حتى الآن، أكثر من سبعة أشهر على الفراغ الكبير في السلطة اللبنانية نتيجة إستقالة الحكومة اللبنانية بعد الإنفجار المريب والخطير في مرفأ بيروت الذي حصل في الرابع من آب الماضي، وبالتالي، لا يزال يتعذّر تأليف الحكومة الجديدة كما كان ينبغي ويطالب به اللبنانيون من جهة أولى، وكما حاول رئيس الجمهورية الفرنسية، امانويل ماكرون، بعد إجتماعه بالشباب اللبنانيين المتظاهرين، وأن يصوغ مبادرته الإنقاذية لتشكيل حكومة لبنانية جديدة ذات مهمّة محدّدة من أجل وقف الإنهيار”.

ورأى أنّه “تعذّر التوصل إلى تأليف الحكومة الجديدة بسبب تراجع أولئك السياسيين اللبنانيين عمّا إلتزموا به تجاه الرئيس ماكرون. ذلك كان من نتيجته أن سيطرت حالة خوف كبيرة لدى اللبنانيين لما يرونه من تردّ وإنهيارات مستمرّة، وهو، بالتالي، أصبح ينعكس على الأوضاع النقدية، ويزيد من حدّة الإنهيار النقدي، وتداعيات ذلك كله على الأوضاع المعيشية في لبنان. ذلك، بمجمله، بدأ يشكّل ويزيد من حدّة المخاطر الوجودية التي تعصف بلبنان. هذا ما إستدعى غبطة البطريرك الماروني، مار بشارة بطرس الراعي، أن يطلق هذه الإستغاثة، بداية للمطالبة بتحييد لبنان ومن ثم بعد ذلك بهذا الطرح الذي تقدّم به من أجل عقد مؤتمر دولي من أجل مساعدة لبنان والإسهام في حلّ مشكلاته”.

الجيش

وقال: “وهو ذات الأمر، وبسبب الإستعصاء المستمر في عدم تأليف الحكومة، كان موقف قائد الجيش اللبناني الذي صرّح البارحة، وبعد الإجتماع الموسّع الذي جرى برئاسة فخامة الرئيس ميشال عون في القصر الجمهوري وفي حضور رئيس حكومة تصريف الأعمال وغيرهم من الأشخاص، أنّ هناك وضعًا شائكًا وخطيرًا في لبنان يهدّد الأوضاع المعيشية ويطيح بإستقرارها، ليس، فقط، بالنسبة لمن ينتسبون إلى الجيش اللبناني وإلى القوى الأمنية، بل ولغيرهم من الموظّفين والإدارة اللبنانيين ولكلّ فئات المجتمع اللبناني. إذ أنّ هذا الإنهيار في المستوى المعيشي أصبح يصيب جميع اللبنانيين، وحيث أصبحت نسبة كبيرة من اللبنانيين تحت خط الفقر بما أصبح يهدّد إستقرار الأوضاع الأمنية التي قد تشهد فوضى شاملة”.

وردًّا على سؤال عن دور للجيش في الفترة المقبلة، قال السنيورة: “أنا أعتقد أنّ إستغاثة قائد الجيش، وقبلها استغاثة غبطة البطريرك، يجب أن تُؤخذا بشكل جدّي. صحيح أنّ إستغاثة قائد الجيش عبّر عن ألمه وألم الأجهزة العسكرية والأمنية، وكذلك عن ألم جميع المواطنين، إلّا أنّه عبّر، بذات الوقت أيضًا، عن إلتزام الجيش اللبناني بحفظ الأمن والنظام وفتح الطرقات، والحرص على عدم التعدّي على الأملاك العامة والخاصة. ولكنّه يرفض أن يُصار إلى وضع الجيش في مواجهة المتظاهرين”.

أضاف: “هذا من جهة، أمّا بشأن دور الجيش في العمل السياسي في لبنان، فأنا موقفي، بكل وضوح وصراحة، أنا لست مع إقحام الجيش اللبناني في السياسة، ولست مع هذا الأسلوب في المعالجات. ولكن أرى في موقف قائد الجيش دعوة صارمة وصريحة لكي يبادر فخامة رئيس الجمهورية إلى إتخاذ القرارات الصحيحة لحل الإشكالات المستعصية في تأليف الحكومة، وسأفصّل بعد ذلك ما أعنيه. ولكن إذا لم يتم ذلك التجاوب من فخامة الرئيس، فإنّ الأمور قد تتّجه إلى تهديد وجودي للبنان وهو البلد الديموقراطي الذي حرص على مدى كل السنوات الماضية في الحفاظ على لبنان وعلى نظامه الديموقراطي البرلماني”.

وأردف: “نعلم أنّه قد مضى على لبنان، وحتى الآن، أكثر من 45 سنة وهو يعاني الأمرَّين من هذه الأوضاع المتردّية، والتي تشترك في التسبب بها الكثير من العوامل التي سادت خلال فترة الحرب الأهلية، وبسبب الإجتياحات والإحتلالات الإسرائيلية المتكرِّرة، إلى المناكفات السياسية بين اللبنانيين إلى الأوضاع الإقتصادية المتردّية. هذا كلّه ما أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه الآن. ويجب أن يكون هذا إنذارًا وتحفيزًا من أجل أن يصار إلى التنبّه لدى السياسيين، وتحديدًا من فخامة رئيس الجمهورية بخطورة الأوضاع السائدة، وبالتالي من أجل المسارعة إلى التجاوب والعمل على القيام بدوره من أجل أن تتألف الحكومة الإنقاذية الجديدة، ولكي تبدأ مسيرة الإصلاح والإنقاذ في لبنان”.

الحريري

وعن زيارات الرئيس المكلَّف، سعد الحريري، إلى الخارج وعدم تشكيل حكومته، قال السنيورة: “الرئيس الحريري قدّم تشكيلته الحكومية، وذلك إستنادًا لأحكام الدستور اللبناني، وأيضًا إستنادًا إلى مبادئ المبادرة الفرنسية، والتي هي إنطلقت أساسًا إستنادًا إلى مطالب اللبنانيين الذين قالوا إنهم يريدون حكومة من الإختصاصيين المستقلّين وغير الحزبيين، والذين هم من أصحاب الكفاءة المشهود لهم في عملهم، وفي المجالات التي يمكن أن يعينوا فيها بالحكومة. وبالتالي، يستطيعون عندها أن يكونوا فريق عمل متضامن ومتجانس يمكن له أن يبدأ بإجراء الإصلاحات التي طال إنتظارها”.

أضاف: “الرئيس الحريري قدّم تشكيلته، وما يقوم به الآن في زياراته المتعدّدة لعدد من المسؤولين العرب والدوليّين ليس إلّا محاولة من أجل تأمين المساعدة على تأليف الحكومة”.

طرفان يعرقلان

وتابع: “هناك طرفان أساسيان يضعان العراقيل في وجه تأليف هذه الحكومة. الطرف الأول، هو رئيس الجمهورية الذي هو، وحسب الدستور، يوقّع على مرسوم التشكيل ويلعب دورًا في عملية إختيار أعضاء الحكومة، ولكن ضمن القواعد التي تم التوافق عليها وهي حكومة من الإختصاصيين المستقلين غير الحزبيين. المشكلة الآن أن هم الرئيس ليس في تأليف حكومة من هذه الطبيعة، بل أن جلّ همّه الآن هو كيف يمكن أن يضمن تحوّل السلطة بعد إنتهاء عهده، ومن ثم فهو حريص، وكما يبدو الآن، في أن يتولّى صهره الرئاسة من بعده، وكأننا نحن نعيش في نظام يقبل التوريث. هذا نظام ديموقراطي برلماني، وليس حتى نظامًا رئاسيًّا في لبنان”.

أضاف: “الطرف الثاني الذي يضع العراقيل هو حزب الله، وهنا أرى السبب الأساس في أنّ هذه الزيارات التي يقوم بها الرئيس الحريري إلى عدد من البلدان المعنية بلبنان، إذ لربما تسهم أو تكون وسيلة من الوسائل للتعاون إذا كان هناك من إمكانية أن يُصار إلى ممارسة بعض الضغوط أو الإتصالات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لماذا؟ لأنّ حزب الله عمليًّا هو الذي يتلطّى وراء رئيس الجمهورية، وبالتالي يعمل من أجل أن لا تتألّف الحكومة الجديدة من أجل أن يبقى لبنان ورقة يستطيع حزب الله أن يضعها بتصرّف الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتعزيز قدراتها وإمكاناتها التفاوضية مع الولايات المتّحدة الأميركية، الإستعصاء لدى حزب الله وإيران مسألة طويلة، ولبنان لا يمكن له الإنتظار هكذا”.

وأشار السنيورة أنّ الرئيس الحريري وضع تشكيلته الحكومية، والتي قدّمها لرئيس الجمهورية، وهي مبنية على هذه الأسس التي تم التوافق عليها ما بين الرئيس ماكرون وممثّلي الأحزاب بما فيهم حزب الله. لكن عددًا من تلك الأطراف الحزبية، ولا سيّما حزب الله والتيار الوطني الحر قد تراجعوا عن مواقفهم السابقة بشأن تأليف الحكومة الجديدة بعد ان بدأت الإدارة الأميركية في فرض العقوبات.

وقال: “الآن هناك مشكلة حقيقية في لبنان تتركّز في مسألة إستعادة الثقة، وذلك يكون، بداية، عبر تأليف الحكومة التي تستطيع أن تتقدّم على هذا المسار. ولكن هذه المشكلة لا تُعالج إلّا بالتفتيش عن الحلول الصحيحة لجوهر المشكلات، وليس من خلال معالجة مظاهر المشكلات”.

الثقة بالدولة

وأوضح أنّ الإجتماع، في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية، خرج بجملة من الأفكار التي هي ضرورية، وقد جرى إقتراحها سابقًا، ولكنّها لم تُطبق، وهي يجب أن تطبق ولكنها غير كافية على الإطلاق”.

وقال: “في هذا الصدد، تجارب لبنان كما تجارب الكثير من الدول، التي مرت في ظروف اقتصادية ومالية ونقدية صعبة، بأن التدهور الحاصل لا يعالج بالعصا. لا ينزل سعر صرف الدولار بالعصا أي بالقوّة، ولا تعالج مسألة الثقة بالعصا، بل تعالج هذه المشكلة بالذهاب إلى حيث هي المشكلات، أي إلى معالجة جوهرها، وبالتالي، إلى ما يؤدّي إلى إستعادة الثقة لدى اللبنانيين بالدولة اللبنانية، كيف؟ الحقيقة أنّ هناك جملة من الإجراءات المحدّدة التي تبدأ بتأليف الحكومة العتيدة الآن، وبأشخاص موثوقين يستطيعون أن يؤلّفوا فريق عمل، وبالتالي، تباشر الحكومة العتيدة فورًا إلى العمل على إستعادة الدولة اللبنانية ولدورها ولحضورها ولقرارها الحر، والتأكيد على سلطتها الكاملة على جميع الأراضي اللبنانية، وبالتأكيد على إحترام الدستور اللبناني وإحترام وثيقة الطائف وإستكمال تطبيقها وإحترام إستقلالية القضاء وإحترام الكفاءة والجدارة وإحترام الشرعيّتَين العربية والدولية”.

وكرّر السنيورة انّ “الحريري شكّل الحكومة، وأودع تلك التشكيلة رئيس الجمهورية، والآن على فخامة الرئيس أن ينظر فيها وأن يوقعها”. وعن ترؤس الحريري للحكومة، قال: “الوضع اللبناني، كما أصبح عليه الآن، لا يتحمّل أن يكون كل أعضاء الحكومة ممّن لم يكن لهم أي تجربة حكومية سابقة. وكمثال على ذلك، لا يمكن أن تقود الطائرة بطاقم كل أعضائه ممّن لم يدخل بحياته إلى مقصورة القيادة. أناأاعتقدأان سعد الحريري من خلال رمزيته وقوّته التمثيلية بالنسبة للبنانيين يستطيع أن يؤلف هذه الحكومة. على أيّ حال، سعد حصل على التفويض والتكليف من مجلس النواب وذلك حسب الدستور.

أضاف: “يجب أن نتنبه أنّه إذا لم تتألّف الحكومة لن يستطيع لبنان أن يخرج من هذا المأزق الكبير الذي أصبح في خضمّه، ما يمكن فعله الآن وللتقدم على مسارات الحلول لا يكون إلا بالعودة إلى الدولة اللبنانية وبإحترام سلطتها الحصرية وعلى قرارها الحر. وهذا الأمر يتحقّق تدريجيًّا من خلال التقدّم على مسارات طمأنة للناس من خلال تشكيلة الحكومة ومن خلال البيان الوزاري للحكومة بأنّها ستكون ملتزمة بهذه القواعد الأساسية اللازمة لإستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمعَين العربي والدولي والمؤسسات الدولية المعنية”.

وختم السنيورة: “من خلال تجربتي ومن خلال ما أراه، فإنّ هناك حاجة لوضع البوصلة بشكل صحيح من أجل التقدّم على مسار إستعادة حضور الدولة والثقة فيها. أعتقد أنّه سيكون لذلك تأثير أساسي، بداية، لجهة وقف إنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، وبالتالي، ومع البدء بتنفيذ الإصلاحات المالية والنقدية والإدارية، والتي قد مضى وقت طويل على لبنان دون إجراء الإصلاحات، سوف تبدأ الأمور في التحسن. كما هو معروف، فقد كان هناك ولا يزال إستعصاء مستمر من قبل القيادات السياسية ومن قبل المجالس النيابية عن القيام بالإصلاحات المطلوبة. لذلك، فإن تأليف الحكومة الملائمة والتوجّه بشكل واضح نحو الإلتزام بشكل ثابت ومستقر بالقيام بالإصلاحات تشكّل الخطوات الأولى بإتجاه أن يُصار إلى ضبط الأمور العامة في لبنان، والبدء بإنخفاض سعر صرف الدولار في لبنان، بما يجرّه ذلك من خطوات إضافية من أجل إستعادة الإستقرار الإقتصادي والمالي والنقدي والمعيشي، وبالتالي، الأمني في لبنان”.


Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *