بايدن يصطدم بإرث ترامب.. هي يتمكن من استعادة “زعامة أمريكا”؟


تعهد الرئيس الأمريكي المـُنتخَب جو بايدن دوماً بالتخلي عن سياسة النزعة الأحادية التي انتهجتها إدارة الرئيس ترامب. ولكن حتى يتمكن فعلًا من استعادة الزعامة الأمريكية، فإن عليه محاسبة الخصوم واستعادة ثقة الحلفاء المستبعدين.

تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن باستعادة دور بلاده القيادي في العالم، عبر التخلي عن السياسات الأحادية التي اتبعتها إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب وإعادة التركيز على التحالفات الدولية القائمة منذ مدة طويلة. ويقول بايدن إن إدارته سترتقي بأهمية الدبلوماسية، وستقود بـ”قوة النموذج” بدلًا من “نموذج القوة”.

ورث بايدن وضعاً يتشكك فيه الحلفاء في مصداقية الولايات المتحدة، ولاسيما بعد توتر العلاقات بين واشنطن ومختلف عواصم العالم خلال الفترة الرئاسية لترامب.

وقد تعهد الرئيس المنتخب بإصلاح أكبر قدر ممكن من الضرر خلال المائة يوم الأولى من توليه السلطة، من خلال التراجع عن عدد من الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس دونالد ترامب، والتي قلبت الاتفاقيات والتحالفات الدولية التي زعم الرئيس أنها كانت مجحفة بالنسبة لأمريكا لأسباب مختلفة.

في هذا السياق يقول منتقدون إن هذه الأوامر جاءت بنتائج عكسية، وإن النزعة الانعزالية التي اتبعتها الولايات المتحدة سمحت للصين ببساطة بتوسيع نفوذها في غياب أمريكا. وفيما يلي نستعرض بعضاً من أبرز الانتكاسات على صعيد السياسة الخارجية، والتي تعهد الرئيس المنتخب جو بايدن بالتعامل معها على الفور.

خطة عمل مشتركة

اعتاد ترامب مهاجمة خطة العمل الشاملة المشتركة -المعروفة بإسم الاتفاق النووي الإيراني– بإعتبارها “إحدى أسوأ الصفقات في التاريخ”، وأعلن انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق في 8 مايو/ أيار 2018، كما أعاد فرض عقوبات على إيران وعلى كل من يتعامل معها تجارياً.

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قد شجعت الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة وألمانيا وإيران على توقيع الاتفاق عام 2015، وذلك بعد ما يقرب من 20 شهراً من المفاوضات.

وبموجب الخطة اتفق الموقعون بإسم (مجموعة 5 + 1) والاتحاد الأوروبي على إقامة حوار ومراقبة البرنامج النووي الإيراني مقابل حصول طهران على تسهيلات اقتصادية ورفع العقوبات عنها بشكل تدريجي. ويُعتبر هذا الاتفاق النووي الإيراني إنجازاً دبلوماسياً تاريخياً لمنع طهران من تطوير قنبلة نووية، إلا أن إدارة ترامب وسمَت الاتفاق بالضعف، واتبعت بدلاً من ذلك ما أسمته “حملة الضغط الأقصى”.

ويقول بايدن إن سياسة ترامب لم تكن فعالة ولم تؤد إلا إلى تصعيد التوترات، متعهداً بالعودة مرة أخرى إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. لكنه يقول إنه لن يرفع العقوبات إلا بعد التأكد من التزام إيران الصارم بقواعد خطة العمل الشاملة المشتركة.

وربما يسعى بايدن بوجه عام أيضاً للنأي بالولايات المتحدة عن المملكة العربية السعودية خصم إيران الإقليمي وأكبر حلفاء واشنطن العرب في الشرق الأوسط. وكان ترامب يتودد إلى النظام الملكي عن كثب خلال فترة حكمه، حيث لعبت المملكة دورًا رئيسيًا في التحالف المناهض لإيران الذي شكله الرئيس. ومن الممكن أن يبدأ بايدن في هذا النأي بإنهاء الدعم الأمريكي للحرب التي تشنها السعودية على اليمن والتي لا تحظى بشعبية.

اتفاقية باريس للمناخ

دأب بايدن -الذي لعب التعهد بمكافحة تغير المناخ دوراً في انتخابه- على القول إنه سيعود فوراً إلى اتفاقية باريس للمناخ. وكان ترامب، الذي ينكر تغير المناخ، قد سحب الولايات المتحدة من هذه الاتفاقية في الأول من يونيو/ حزيران 2017، زاعماً أنها تصب في مصلحة الصين بصورة غير عادلة.

وتُعد الولايات المتحدة الأمريكية ثاني أكبر مصدر للتلوث في العالم بعد الصين. وفي حين تناول ترامب المسألة باعتبارها عديمة الفائدة من الناحية الاقتصادية ليختار أرباح الوقود الأحفوري على حساب حماية البيئة، وعد بايدن ببناء اقتصاد معتمد على الطاقة النظيفة، لتمويل برامج طموحة لخفض الانبعاثات.

منظمة الصحة العالمية

تعهدت إدارة بايدن بالعودة على الفور إلى منظمة الصحة العالمية والسعي لقيادة الجهود التي تبذلها المنظمة لمحاربة فيروس كورونا. وقد كانت الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ كبير في هذه الهيئة الهامة العاملة في مجال الصحة العامة، إذ كانت تساهم بنحو 15 بالمائة من ميزانيتها. وفي 7 يوليو/ تموز 2020، أعلن الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من المنظمة التي تنسق -من بين أمور أخرى- إجراء تجارب اللقاحات على مستوى العالم، اعتباراً من يوم 6 يوليو/ تموز 2021.

وحتى الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني، كانت الولايات المتحدة قد سجلت أعلى عدد من حالات الإصابة بفيروس كورونا في دولة واحدة (9,957,50 إصابة)، وحالات الوفاة (237,567 حالة)، فيما بلغت الإصابات على مستوى العالم 49,948,324 إصابة، والوفيات 1,252,189 حالة وفاة.

الأمم المتحدة

هدد ترامب بالانسحاب من هيئة الأمم المتحدة، على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تنسحب حتى الآن سوى من منظمتين تابعتين للهيئة وهما مجلس حقوق الإنسان ومنظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). وقد أشارت واشنطن في الحالتين إلى معاملة حليفتها إسرائيل بطريقة غير عادلة من قبل هاتين الجهتين.

وفي 19 يونيو/ حزيران 2018، وصفت المبعوثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة آنذاك، نيكي هايلي، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنه “منظمة منافقة تخدم مصالحها الخاصة وتحول حقوق الإنسان إلى مادة للسخرية”، مشيرة إلى ما وصفته بـ”التحيز المزمن ضد إسرائيل”، كما عبرت عن معارضتها لأن تكون الصين وكوبا وفنزويلا التي تنتهك حقوق الانسان أعضاء في المجلس. ودعت الولايات المتحدة إلى إجراء إصلاحات في المجلس، وكثيراً ما اصطدمت بأعضاء آخرين بسبب دفاعها عن إسرائيل. ويقول المنتقدون إنها تغض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان.

وأشارت إدارة ترامب إلى مزاعم بوجود صراعات تدور حول تسمية مواقع التراث الثقافي العالمي -التي قالت الولايات المتحدة وإسرائيل إنها تجاهلت الروابط التاريخية اليهودية- كسبب للانسحاب من اليونسكو. كما أن تسمية المواقع تمس أيضا قضايا أعمق تخص السيادة الدولية بإعلان مدينة الخليل القديمة والحرم الإبراهيمي (كهف البطاركة عند اليهود) مواقع فلسطينية.

وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت من اليونسكو عام 1984 في عهد الرئيس رونالد ريغان، وانضمت إليها مرة أخرى عام 2002 في عهد جورج دبليو بوش. وعلى الرغم من تجميد المساهمات الأمريكية في المنظمة لمدة تسع سنوات في ظل إدارة أوباما- بايدن، إلا أن الولايات المتحدة احتفظت بعضويتها.

وبالرغم من أن بايدن مؤيد قوي لإسرائيل ورحب بالاتفاقات الأخيرة الموقعة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، إلا أن إدارته ستضغط على الأرجح لوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية وضمها، فضلاً عن أنها ستكون أكثر ميلاً للدفاع عن احتياجات الفلسطينيين في الأمم المتحدة.

منظمة التجارة العالمية والناتو

تشمل القضايا الأخرى التي سيضطر بايدن إلى التعامل معها: وضع العلاقات التجارية، لاسيما داخل هيئات مثل منظمة التجارة العالمية. وفي مرحلة ما سيسعى بايدن إلى رأب الصدع وتوسيع التعاون مع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن أهداف السياسة الخارجية ستظل قائمة.

مجلس الشيوخ.. مفتاح التحرك

السؤال الآن هو ما إذا كان بإمكان بايدن استعادة الثقة وتحقيق أهدافه المعلنة بنجاح: “تعزيز أمن الولايات المتحدة وازدهارها وقيمها من خلال اتخاذ خطوات فورية لتجديد ديمقراطيتنا وتحالفاتنا وحماية مستقبلنا الاقتصادي، ووضع أمريكا في المقدمة مرة أخرى، وقيادة العالم للتصدي للتحديات العالمية الأكثر إلحاحاً”.

لقد وضع بايدن خططاً شاملة وطموحة للعديد من الجبهات، ولكن في حين يمكن إلغاء الأوامر التنفيذية، إلا أنه بدون الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ، فقد يكون من شبه المستحيل تمرير أي شيء يتطلب موافقة الكونغرس.

ويتطلب هذا التحدي الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريين، وتزامناً مع الانتخابات الأمريكية، جرى التصويت على 35 مقعداً في مجلس الشيوخ من أصل 100، ولا يزال الجميع ينتظر الانتخابات الفرعية في ولاية جورجيا لتحديد الحزب الذي سيحصد الأكثرية.

ولكن في البداية على بايدن أن يواجه فيروس كورونا والتداعيات الاقتصادية المترتبة عليه.


جون شيلتون

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *