ما هي أسباب إزدياد أعداد التونسيين في التنظيمات الإرهابية؟


تشير العديد من الدراسات الدولية إلى أن التونسيين هم الأكثر انضماماً إلى التنظيمات الإرهابية وبؤر الصراع العالمية، وهو ما يثير التساؤل خاصة مع تمكن تونس من فرض نفسها كدولة تشهد ديمقراطية ناشئة وسط جوار ملتهب.

أثار الهجوم على كنيسة نوتردام في مدينة نيس الفرنسية، الذي أودى بحياة 3 من زوار الكنيسة استنكارا واسعا. ومع توالي الإدانات المحلية والعالمية تم تسليط الضوء على المشتبه في تنفيذه الهجوم إبراهيم العيساوي. جنسية العيساوي التونسية أثارت التساؤلات عن سبب انخراط شباب من تونس في عمليات متطرفة وإرهابية كما هو الحال مع أنيس العامري الذي هاجم بشاحنة المشاة في برلين، أو حتى بالأعداد الكبيرة الأخرى لعدد المقاتلين التونسيين المنضمين لداعش وتنظيمات إرهابية أخرى.

وكان تقرير للأمم لمتحدة عام 2015 قد أشار إلى هذه الظاهرة منذ بداية ظهورها، حيث توصل فريق عمل من خبراء الأمم المتحدة إلى أن التونسيين هم الأكثر انضماماً إلى التنظيمات الإرهابية في ليبيا وسوريا والعراق، فقد زاد عدد هؤلاء عن 5500 شابا. ودعا المسؤولون تونس إلى منع التحاق مزيد من مواطنيها بهذه التنظيمات. وأكد التقرير أنه وخلال هذه الزيارة، تم إعلام فريق العمل بـ”وجود 4000 تونسي في سوريا، وما بين 1000 و1500 في ليبيا، و200 في العراق، و60 في مالي و50 في اليمن” وأن “الـ625 العائدين من العراق إلى تونس هم موضع ملاحقات عدلية”، وفق البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.

كذلك أشارت دراسة أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في ديسمبر/ كانون الأول 2018 إلى أن المقاتلين التونسيين كانوا هم الفئة الأكبر للمقاتلين الأجانب المنخرطين في سوريا والعراق، كما أشار التقرير إلى تواجد المقاتلين التونسيين في ليبيا ووصفه بالمقلق.

ظاهرة تونسية مقلقة

هذه الظاهرة يؤكدها أيضا الخبير في شؤون الإرهاب إعلية العلاني، الذي يؤكد أن ظاهرة الإرهاب في تونس تفاقمت منذ عام 2011، مرجعا ذلك إلى التغيير السياسي، وغياب الإرادة السياسية وقتها في مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، وتدفق المال الخارجي دون رقابة كبيرة إلى تونس. عطفا عن ذلك هناك تراجع الاقتصاد التونسي، وازدياد نسبة البطالة بين الشباب، ما أدى إلى ازدياد هذه الظاهرة لدى التونسيين. بيد أن الخبير العلاني يؤكد أن هذه الظاهرة شهدت تراجعا في تونس في الأعوام المنصرمة لكنها لا زالت موجودة.

الكاتب والمحلل التونسي عبد اللطيف الحناشي يرى أن سبب التحاق التونسيين في بؤر الصراع راجع إلى عدة عوامل منها عامل رد الفعل على بعض الإجراءات التي اعتبرت مسيئة للمسلمين كحظر الحجاب في بعض المدارس، أو السماح بتوزيع الأفلام المسيئة للإسلام. أو نشر الصور المسيئة للنبي محمد، وهو ما حدى ببعض الشباب إلى اتخاذ مواقف متطرفة من المجتمعات الأوروبية التي يعيشون فيها.

أيضا الشعور بالتهميش لدى بعض المهاجرين بسبب الإجراءات التي تتخذها بعض الدول الأوروبية التي تعيش هواجس ومشاعر الإسلاموفوبيا، خاصة مع ازدياد منسوب العنصرية الأوروبية ضد الأجانب، عوامل تجعلهم أكثر قابلية للانقلاب على المجتمعات الحاضنة لهم.

صورة تونس العالمية

ويؤكد الخبير الحناشي أن التاريخ التونسي يشير إلى أن الشخصية التونسية الثقافية تميل إلى نوع من الاندفاعية في العمل، وهو ما تلعب على وتره بعض الجمعيات المتطرفة من أجل تنظيم البعض وغسل أدمغتهم.

ويرى الحناشي أن هذه العمليات المتطرفة والتي يقوم بها متطرفون من تونس، لن تؤثر كثيرا على صورة تونس كبلد ديمقراطي يُحتذى به في العالم العربي، ويرجع ذلك إلى أن العديد من الدول الأوروبية الديمقراطية مثل فرنسا وألمانيا وغيرها شهدت التحاق العديد من أبنائها لتنظيمات متطرفة مثل داعش، ولم تتغير صورتها الديمقراطية عالميا.

بيد أن هذا الأمر قد يعرقل تكرار التجربة التونسية في العالم العربي. والخبير إعلية يؤكد على ضرورة التدخل الدولي في مكافحة هذه الظاهرة وعدم اهمالها مشددا أن ” تونس لا تستطيع لوحدها القضاء على ظاهرة الإرهاب، فالظروف الدولية المحيطة ونقص الأموال والأجهزة كلها أمور تساعد على عرقلة فرض الدولة لنفوذها وملاحقة التنظيمات المتطرفة”.

دعم عسكري واستخباراتي

كانت تونس قد أبرمت اتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وقد تطور الدور الأمريكي في دعم الجيش التونسي وذلك بعد توقيع تونس والولايات المتحدة وثيقة لخارطة تعاون عسكري بين البلدين على مدى عشرة أعوام. بيد أن الحناشي يرى أن هذه الاتفاقية تبقى ناقصة، ولا يحبذ تكرارها مع أوروبا. ويشرح بالرغم من أهمية هذه الاتفاقيات إلا أنها تغفل العديد من العوامل. فبحسب الخبير الحناشي من مكافحة الإرهاب لا يجب التركيز على الجانب الأمني فقط، بل من الواجب معالجة أسبابه أيضا. ويقول: “دون مساعدة دولية في جهود التنمية ودفع الاقتصاد في تونس ستبقى أرضية الإرهاب خصبة”، ويتابع “أوروبا تستطيع المساعدة في الجانب الأمني، ولكن عليها دعم جهود التنمية، وإتاحة فرص عمل للشباب والقضاء على البطالة، وهو ما سيؤدي إلى تغيير جذري في المنطقة”.

ولا يتفق الحناشي مع من يرى أن هناك تقصيرا في جهود الاستخبارات التونسية للقبض على المتطرفين ويقول: “بالرغم من تحدث وسائل إعلام دولية عن انخراط تونسيين في الخارج في بؤر الصراع والحروب، وقيامهم بعمليات متطرفة، إلا أن الارهاب لم ينجح في ضرب تونس سوى مرات قليلة فقط”، ويتابع “انخفاض عدد هذه العمليات يؤكد قدرة الأمن التونسي على مكافحة الإرهاب والتطرف، في حين أنه لا يملك إمكانيات لملاحقة التونسيين في الخارج، وهو ما يستدعي المزيد من التنسيق في الجهود الأمنية بين أوروبا وتونس”.


علاء جمعة | توماس ألينسون
DW | AP

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *